الجزيرة - محمد السهلي:
أكدت مصادر بصناعة الأوقاف الإسلامية أن دولة الإمارات قد أنشأت شركة لإدارة الأوقاف بشركة مصرفية. وتم الإعلان مؤخراً عن «نور أوقاف» وهي مملوكة بنسبة 60 بالمائة لشركة نور للاستثمار المصرفي بينما ستحوز الأربعين بالمائة الباقية مؤسسة الأوقاف وشؤون القصر التابعة لحكومة دبي.. وستهدف إلى تعزيز عائدات الأوقاف في أنحاء العالم.. ونور للاستثمار شركة زميلة لمؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية ذراع الاستثمار للإمارة.
ومن المعتقد أن الأوقاف تسيطر على أصول بعشرات المليارات من الدولارات في أنحاء العالم الإسلامي، حيث يتصدق الناس بجزء من ثرواتهم نقداً أو بأشكال أخرى لمشروعات خيرية مثل المساجد والمدارس.
وتفيد تقديرات إرنست آند يونج الاستشارية أن الأصول التي تديرها الأوقاف بلغت قيمتها نحو 105 مليارات دولار في 2010.
لكن إدارة تلك الأوقاف كثيراً ما تتعرض لانتقادات بعدم الكفاءة والبدائية وحبس الأموال في أصول ثابتة مثل العقارات حيث تدر عائدات منخفضة أو معدومة.
وفي ماليزيا دعا مصرفي كبير إلى إشراك المصارف الإسلامية في بلاده في إدارة ثروة الأوقاف الإسلامية البالغة قيمتها 1.2 مليار رنجيت.
وأعلن رئيس الوزراء الماليزي نجيب رزاق أن هيئة الأوقاف الماليزية ستتحول إلى شركة تستهدف تحقيق قيمة أكبر من الأصول الوقفية الخاضعة لإدارتها.. وتخطط الحكومة الماليزية أن تقلل صلاحية الجهات الدينية في إدارة الأمور الاستثمارية الخاصة بالأوقاف وجعلها تُدار بأيادي القطاع الخاص الأكثر مهنية ودراية.
وقال بادليسيا عبد الغني الرئيس التنفيذي للذراع الإسلامية لمجموعة سي.آي.إم.بي المصرفية للصحفيين على هامش مؤتمر في كوالالمبور: «يجب إدارة الأوقاف بطريقة احترافية على يد أصحاب المؤهلات المناسبة.»
وفي يناير - كانون الثاني أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي أن الإمارة تريد أن تصبح مركزاً عالمياً للتمويل الإسلامي وسائر الأنشطة القائمة على مبادئ الشريعة الإسلامية، وذلك جزئياً عن طريق تقوية الروابط بين شتى القطاعات.
وقال طيب عبد الرحمن الريس الأمين العام لمؤسسة الأوقاف وشؤون القصر بدبي إن الهدف هو أن تصبح دبي مركزاً عالمياً للأوقاف من خلال توفير الخدمات المالية للمؤسسات الإسلامية.
وأضاف أن الشركة الجديدة التي سيبلغ رأسمالها المدفوع عشرة ملايين درهم (2.7 مليون دولار) ستقدم خدمات من بينها الفحص الفني والتحليل المالي ومساعدة الأوقاف على تطوير أهدافها الإستراتيجية.
وقال حسين القمزي الرئيس التنفيذي لنور للاستثمار إن الأوقاف تستطيع من خلال الإدارة النشطة لأموالها عن طريق الشركة الجديدة أن تضمن مزيداً من التمويل الذاتي لمشروعاتها وأن تقلل اعتمادها على التبرعات والمساعدات الدولية.
وقال الريس إن بعض استثمارات نور أوقاف سيركز على الشركات التي تخدم المسلمين بالمنتجات الحلال في مجالات مثل الأغذية والملابس ومستحضرات التجميل.
وستكون قرية الأطفال التي ستفتتح في دبي عام 2014 أول عميل لشركة نور أوقاف حيث سيتم إيداع 110 ملايين درهم لتمويل التكاليف الجارية للقرية.
وقالت نور أوقاف إنها بصدد إطلاق بوابة إلكترونية لجمع تبرعات الأوقاف لأغراض خيرية محددة.
وبحسب تقرير سابق نشرته «الجزيرة» السنة الماضية فقد ساهمت الكفاءات المحدودة القائمة وراء الأوقاف فضلاً عن ضعف مواكبة الدعم المؤسسي في تراجع صناعة الأوقاف في البلدان الإسلامية.. وبدا واضحاً أن انعدام اندماج الصناعة المصرفية في إدارة الأوقاف الإسلامية قد لعب دوراً كبيراً في ذلك التراجع، حتى إدارة الأوقاف واستثماراتها لا تزال متركزة في قطاع واحد وهو العقار بالرغم من تقدم صناعة الصيرفة العالمية وتقديمها شرائح استثمارية متنوعة تساهم في تنويع المخاطر في قطاعات متعددة بدلاً من تركزها في قطاع واحد.. فعدم الاحترافية وضعف المهنية لعبا دوراً أساسياً في تأخير دمج صناعة الأوقاف مع القطاع المصرفي والشركات المتخصصة في إدارة الثروات.
المساجد السنغافورية
ورغم قلة أعداد المسلمين في سنغافورة إلا أنهم تمكنوا من استخدام الأوقاف لأغراض خيرية ودينية كبناء المساجد.. فهم يضربون مثالاً جيداً حول كيفية توكيل المصرفيين لإدارة أوقافهم.. فالأوقاف هناك تتبع المجلس الشرعي وهذا المجلس الإسلامي قام بإنشاء ذراع استثمارية له وأطلق على الشركة اسم «وآري إنفيسمنت».. ومهمة هذه الشركة هي إدارة أصول الأوقاف وضمان تحقيق أعلى الإيرادات.. وتشير البيانات القادمة من هناك إلى أنه وبفضل الإدارة الحصيفة المهنية، فإن قيمة أصول الأوقاف قد تضاعفت عشر مرات منذ افتتاح تلك الشركة.. وهذا ما يحوّل تلك الدولة ذات الأقلية المسلمة كرائدة في إدارة الأوقاف بطريقة مهنية واستثمارية بحتة. وفي السنة الماضية قام المجلس الشرعي, الذي يملك تلك الشركة, بتوزيع هبات أوقافية بقيمة 2.5 مليون دولار. حيث ذهب أكثر من نصفها لتمويل بناء المساجد.
وتحاول السلطات الإماراتية تقنين استثمارات الأوقاف الحكومية والخاصة بالقطاع العقاري، حيث ستسن دبي قواعد جديدة إذا لزم الأمر لتفادي أي فقاعة عقارية مع محاصرة تجاوزات الوسطاء العقاريين.
وقال مدير عام دائرة أراضي وأملاك دبي: «لا نريد زيادة حادة في أسعار العقارات ترهق السوق.».. وأضاف سلطان بطي بن مجرن: «هذا غير صحي وغير ضروري.. ما نحاول الحفاظ عليه هو نمو مستدام في قطاع العقارات خلال الخمس سنوات القادمة».
وما يجري في سوق عقارات دبي المتذبذب يؤثر في الخارج أيضاً.. فحين انفجرت فقاعة عقارات دبي بين عامي 2008 و2010 وأدى ذلك لتراجع أسعار العقارات بأكثر من 50 في المائة ودنو دبي من حافة التخلف عن سداد ديونها اهتزت الأسواق المالية في أنحاء العالم.
ويُعد سلطان بحكم منصبه على رأس دائرة الأراضي - التي تنظم سوق العقار وتشارك في تخطيط نمو دبي سريع الإيقاع - شخصية محورية في جهود تفادي تجدد دورة الازدهار والكساد بالسوق.
ولأسباب منها تدفقات الأموال من أنحاء الخليج يتعافى سوق الإسكان في دبي حالياً بوتيرة قوية.. ويقول محللون إن الأسعار ارتفعت بأكثر من 20 في المائة في السنة الأخيرة.. وحذر صندوق النقد الدولي في يوليو - تموز من مخاطر تكون فقاعة جديدة في دبي.
وتشير أحدث الإحصاءات الرسمية إلى أن اعتماد دبي على سوق العقار لم يتراجع، وبالتالي فإن احتمالات تأثرها بأي فقاعة لا تزال كما هي.
لكن سلطان الذي تولى منصبه عام 2006 قال إن مسؤولين حكوميين يراقبون بحذر مخاطر سوق العقار ويتخذون خطوات لتقليصها.
وشابت الطفرة العقارية الأخيرة في دبي بعض الصفقات المشبوهة تضمنت عدم سداد أقساط وعدم تسليم وحدات عقارية لمشترين رغم التزامهم بسداد الأقساط.
وذكر سلطان أن دائرة الأراضي تضع رقابة مشددة على الصفقات وتمنع إتمام الصفقات بدون تسجيلها بالشكل الصحيح.
وقال: «نركز الآن على تنظيم الوسطاء العقاريين.. نحن نتخذ قرارات متعددة لمنع الصفقات الثنائية التي تتم على مستوى شركات الوساطة بدون تسجيل في دائرة الأراضي.» وأضاف: «هذه الصفقات غير المنظمة وغير المراقبة قد تسبب فقاعة ولذلك هي ممنوعة الآن.»
وتعتمد دبي ودولة الإمارات بشكل مكثف على العمالة الأجنبية التي تمثّل غالبية السكان، لكن استثمار الأجانب في القطاع العقاري غير مسموح به إلا في مناطق محددة.
وقال سلطان إنه يتوقع طرح مزيد من المشروعات والمناطق للتملك الحر للأجانب في السنوات المقبلة مع سنِّ قواعد وقوانين تنظم هذا.
وقال: «السماح للمستثمرين الذين يأتون للبلاد بتملك العقارات سيجذب مزيداً من المستثمرين ويعطيهم حافزاً للبقاء».