تقول الكاتبة الإيرانية «كاميليا انتخابي فرد»: (ليس لدى آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى لإيران، أي مخاوف من الجيوش الحديثة الأميركية أو الإسرائيلية، ولكنه يخشى من حرية التعبير وربما الغزو الثقافي). وهذا صحيح؛ فإيران تمرُ الآن بسبب الحصار الاقتصادي بوضع أشبه ما يكون بأوضاع الاتحاد السوفييتي قبل انهياره، فقد وجّه حُكام الكرملين آنذاك كل قواهم وإمكاناتهم الاقتصادية إلى سباق التسلح مع الغرب، وفي مقابل ذلك لم يكن في وسعهم لتفادي التذمر من الأوضاع الاقتصادية المتردية في الداخل السوفييتي إلا أن يُكمموا الأفواه، ويُخفّضوا سقف الحريات إلى مستواه الأدنى؛ غير أن النتيجة كانت التفكك ومن ثم الانهيار؛ وهذا ما لم يتعلم منه ملالي إيران ويقرؤونه جيداً على ما يبدو.
تكميم الأفواه في زمن الاتحاد السوفييتي كان ممكناً، كما أن حجب الفكر الآخر ومنعه من اقتحام الداخل السوفييتي كان ممكناً أيضاً، أما الآن فالأمر يختلف؛ الأطباق الفضائية في إيران تملأ أسطح المنازل في المدن والأرياف، ومنها ينفذ الإيرانيون إلى الخارج ليطلعون على كل شيء، ليصبح أي إجراء من شأنه الرقابة على الإعلام والثقافة وتوجيهها عديم الأثر، والإعلام كما مر بنا في الثورات العربية هو (اللاعب التحريضي الأهم)، ومُحفز الثورات، ومطلقها من عقالها؛ خاصة إذا كانت الأوضاع المعيشية من السوء إلى درجة تجعلها تبحث عن أي شرارة لكي تشتعل؛ فيأتي الإعلام ليقدح بزندِ شرارتها ويصبُّ الزيتَ على النار فتتلظى وتلتهب.
وعلاوة على الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في الداخل الإيراني فإن ثمة انقساماً عميقاً بين الجناحين المكونين للثورة، جناح المحافظين وجناح الإصلاحيين؛ هذا الانقسام اتسعت هوته بين الجناحين بعد أن أقدمت حكومة روحاني على توقيع اتفاقية الـ5+1 المتعلقة بنشاطات إيران النووية، ما أثار حفيظة المحافظين، واعتبروا ذلك تخلياً عن أهم رهانات الثورة وهو (السلاح النووي) الذي يُعوّل عليه الملالي كثيراً خاصة في صراعاتهم السياسية الإقليمية؛ ويعتبرون أن الرضوخ للضغوط الغربية خيانة للثورة؛ وراحوا يردّدون عبارة متداولة من مقولات الخميني تقول: (إذا رضيت عنكم أمريكا فاتهموا أنفسكم) ليثبتوا أن روحاني قد تخلى عن خط الإمام كما يسمونه.. كما أن تلك الاتفاقية لن يكون لها تأثير إيجابي مباشر وسريع على تحسن أوضاع الإيرانيين المعيشية، خاصة وأن رفع الحصار لم يكن كاملاً؛ فالغرب لم يفرج على كل الأرصدة الإيرانية المجمدة في بنوكه؛ فكما يقول أحد الخبراء في تقرير نشرته صحيفة (الاقتصادية) عن أوضاع إيران بعد الاتفاق: (إجمالي الأرصدة الإيرانية المحتجزة دوليا 100 مليار دولار، ولن تحصل طهران إلا على سبعة مليارات، وهذا مبلغ زهيد، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن العقوبات الدولية كلفت إيران 120 مليار دولار، وفي الأشهر الستة للاتفاق ستخسر إيران بسبب تواصل العقوبات الاقتصادية، خاصة في مجال النفط، نحو 30 مليار دولار). كما أن مؤشرات أخرى لا تشير إلى أن ثمة انفراجات على المدى القريب؛ فمثلاً باعت (بيجو) الفرنسية عام 2011 قرابة 600 ألف سيارة جرى تجميعها في إيران، ولم تستطع نفس الشركة هذا العام إلا بيع 150 ألف سيارة فقط، ما يشير إلى أن قدرات الطبقة المتوسطة الشرائية قد تراجعت بشكل حاد وكبير جداً.
ما سُمي بـ(الثورة الخضراء) في أعقاب انتخابات 2009 كانت جولة من معركة، خسرها الثوار لكنهم لم يخسروا المعركة. هراوات الحرس الثوري (الباسدران) وقوات التعبئة الشعبية (الباسيج) التي قضت على مظاهرات 2009 بالقوة لن تنجح في كل مرة؛ خاصة وأن مساحة الغضب الآن اتسعت كثيراً عمّا قبل كما يؤكد المراقبون؛ كما أن إخماد تلك الثورة لم يمنع الجمر من أن يبقى مُتّقداً تحت الرماد. وهذا ما يُقلق علي خامنئي ويقضُّ مضاجع قادة الحرس الثوري.
إلى اللقاء..