السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .... وبعد:
اطلعت على المقال المعنون بـ«أخذ الأجرة على الشفاعة» لكاتبه سلمان بن محمد العُمري والمنشور في العدد (15044) يوم الجمعة الثاني من شهر صفر الجاري.. ولاشك أنّ الشفاعة في العرف هي بذل الجاه والمكانة في سؤال الخير للغير، وهي مشتقة من الشفع، ضد الوتر، فكأن الشافع ضم سؤاله إلى سؤال المشفوع له.
والشفاعة الحسنة مندوب إليها، وفيها أجر عظيم، ويراد بها التوسط للناس ابتغاء مرضاة الله في جلب نفع لهم، أو دفع ضر عنهم، في غير معصية الله، ولا حد من حدود الله، ولا إبطال حق، ولا إحقاق باطل، ومن أمثلتها: التوسط لقضاء حاجات الناس، وتفريج كربات المحتاجين، والتوسط في تخفيف الدَّين عن المدينين أو إسقاطه أو قضائه، والتوسط في فعل الخير - قال الله تعالى: {مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا} ( 85 سورة النساء)، وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جُلسائه فقال: «اشفعوا فلتؤجروا، وليقض الله على لسان نبيِّه ما أحب» متفق عليه، وقال الإمام الشافعي: «الشفاعات زكاة المروات» كشف الخفاء 1-129. وأخذ العوض على الشفاعة لا يجوز لما رواه الإمام أحمد بن أبي أمامة مرفوعاً: «من شفع لأحد شفاعة، فأهدى له هدية فقبلها فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا»، وظاهر هذا الحديث يشمل الأخذ ولو بدون شرط مسبق، كما يقول الشيخ العلاّمة ابن باز - رحمه الله -، ولا يدخل في ذلك استئجار شخص لإنجاز معاملة ومتابعتها وملاحقتها في الدوائر، أو إرساله لأصحاب الغنى لحثهم على التبرع، واستلام تبرعاتهم، وذلك مقابل أجرة معلومة، فهذا باب آخر غير مسألة الشافعة والواسطة، فهو من باب الإجارة، وأخذ العوض على الجهد المبذول، وليس من باب بذل الجاه والشفاعة والمكانة مقابل المال، فهذا هو المحرم.