يشارك الأستاذ سعد بن عبد الله الغريبي في حفل تكريم الكاتب راشد الحمدان الذي يعقد بالنادي الأدبي بالرياض بورقة تتناول كتاب الراحل المعنون بـ ( خراف الأيام) .
ملخص الورق :
ليس للفقيد كتاب مطبوع سوى كتاب (خراف الأيام) الذي صدر في طبعته الأولى عام 1406 هـ عن نادي أبها الأدبي. لكن هذا الكتاب الوحيد لخص حياة مؤلفه، ولم يكن لكتاب واحد أن يختصر حياة كاملة، لا سيما حين تكون هذه الحياة ثرية كثراء حياة الأستاذ راشد - رحمه الله - إلا أن يكون المؤلف صادق السر والعلن عفوي التعبير باللسان والقلم ..
وأول ما يلفت انتباه القارئ لهذا الكتاب هو عنوانه (خراف الأيام) الذي يشير بكل وضوح إلى تعلقه بالزراعة والنخلة على وجه الخصوص..
الكتاب غير مرقم الصفحات، وغير مشتمل على فهرس، ولذا فقد عددت صفحاته وصنفت موضوعاته فوجدته يقع في أربعين ومائتي صفحة ويتناول ثلاثة وستين ومائة موضوع يتراوح طول الموضوعات ما بين صفحة واحدة - وهي الأكثر - إلى أربع صفحات. ومعظم هذه الموضوعات مقالات منشورة في صحيفة الجزيرة في زاويته (شماريخ).
جاء في تقديم النادي للكتاب : «وأدرج تحت هذا الاسم التراثي مقالات منتخبة تتميز بأنها قطع أدبية غير مقيدة بمناسبة معينة»..
ويقول المؤلف - رحمه الله - في مقدمته: «هذه أفكار متعددة بعضها يخاطب العقل وبعضها يخاطب القلب. ومخاطبة الاثنين تحتاج إلى نوع من التوازن لأن القلب إذا غمره الفرح ارتاح العقل فانتظم، أما إذا غمر القلب الحزن والكآبة فإن العقل يضمر ويصاب بعقم في الابتكار»..
ولأن الكتاب عبارة عن مقالات صحفية فقد جاء متنوع الموضوعات سهل الأسلوب واضح اللغة بسيط الفكرة حتى في موضوعاته الأدبية والتاريخية والسياسية فهو موجه لجمهور القراء من مثقفين وأميين. وقد حاولت تقسيم الكتاب إلى موضوعات فوجدت (توجيه المجتمع) يحتل حوالي ربع الكتاب، ويحتل الربع الثاني حكايات الماضي، ومقالات في الثقافة والتاريخ والأدب.
ويتوزع ما تبقى من الكتاب حول آرائه الخاصة في كثير من قضايا التربية والشباب، والموضوعات الوطنية والسياسية، مع لمحات إيمانية ووقفات تأملية في المرض والموت. ومع أن الكثير من الموضوعات - خاصة الموضوعات المجتمعية - تأتي بأسلوب فكه؛ إلا أنه أورد بعض حكايات ساخرة من كتب التراث العربي القديم أو من حكايا العيارين المعاصرين!.
توجيه المجتمع
سلط قلمه على التغيرات التي أصابت المجتمع في عاداته وأخلاقه فنعى من يتعامل مع الناس بحسب أشكالهم وأزيائهم حتى ولو كان هذا المتهاون في شكله وملبسه من الذين يأخذون الأمور ببساطة..
وتحدث عن المظاهر الكاذبة التي يعمد إليها الناس وخاصة حين يتجاوز المرء حدود إمكاناته المادية فيمد رجليه أطول مما يستطيع لحافه أن يشمله، ويضرب لهؤلاء مثلا بمن يعتمد اعتمادا كليا على الخادمات والسائقين، فيقول ساخرا عن هذا النموذج: «ومن الغريب أنه يحرص على تحديد النسل وترتيبه ويستورد ثلاث خدامات وسواقا»!..
حكايات الماضي
افتتح كتابه (خراف الأيام) بموضوع بعنوان (أيام الخراف) في الزمن الماضي، فتحدث عن صاحب النخلة وقد عاد إلى بيته يحمل في مخرفه الرطب الجني ويتوقف لإطعام عابري السبيل أو إهداء الأصدقاء والجيران بعض ما اجتناه.
وتحدث عن بدايات التعليم وكيف كانت الحكومة تلاحق الأطفال لحملهم بالقوة إلى دار التوحيد أو إلى مدرسة الأيتام السعودية بالمربع عام 1368هـ التي كانت من نصيبه قبل أن يذهب إلى دار التوحيد مختارا. يقول: «وكان التهديد الذي تلقيته هو أني سأحزم على (عارضة) الموتر ويذهب بي إلى الرياض».
وعرّج بالحديث للأيام الخوالي ولذكرياته مع دار الأيتام فقال على لسان صاحبه: «كنا في مدرسة الأيتام وبعضنا ليس يتيما فله أب وأم ولكنه يتيم لأنه لا يجد من يؤكله فكنا نجد في دار الأيتام المرق الممزوج بالصلصلة والبصل، ثم أصبحنا نأكل الرز من مطبخ (ابن غدير) في المربع وهو مطبخ الشيوخ آنذاك» وأضاف: إن كثيرا من الطلبة يدخل دار الأيتام لا للعلم فقط ولكن للأكل!
وتحدث عن ألعاب الأطفال آنذاك فتناول عادة كانت شائعة لديهم وهي أن يعمد أحدهم - إذا أراد أن يغيب عن ألعابه مدة قصيرة - لعمل دائرة حولها قائلا : (حقرص بقرص) ويعود فيجدها كما كانت..
في الثقافة والتاريخ والأدب
عرَّف - رحمه الله - الثقافة بقوله إنها «ليست أغنية تحفظ أو سواليف قديمة تروى مع الزمان ويجدد في نسجها من جيل لآخر.. الثقافة ليست ثوبا يلبس ويتزين به لأن الثقافة التي نريدها ثقافة يتزين بها العقل لا الجسم.. ليست بضع كلمات يحفظها الإنسان ليتشدق بها في المجامع».
وهو يعد القراءة - لما تتيحه من اطلاع على تجارب الآخرين - من ضرورات الحياة بل يعدها سياجا لحماية النفس:»يجب على الإنسان في هذه الحياة أن يوجد حماية لنفسه.. أن يصنع سياجا يكسبه من قراءاته التي يزاولها يوميا.. من مرئياته.. من مقارناته للأشياء ومردوداتها الفعلية ومن تجارب الآخرين».
السخرية والفكاهة
فرَّق - رحمه الله - بين نوعين من السخرية؛ إحداهما محبوبة مطلوبة والثانية مذمومة فقال: «والسخرية هي في اعتقادي ضحكة بريئة.. ضحكة بريئة في صور كلامية خاطفة على صديق تثق فيه ويثق فيك من دون جرح مؤلم ولا إساءة كريهة، والسخرية المتحللة هي التي تتجرد من المعايير والمقاييس الأخلاقية. والذين ينهجون هذا المنهج - من الأزل - يعتبرون في عداد المجان، والمجون غالبا ما يردي صاحبه ويوصله للهلاك».
وتحدث عن ذكرياته في دار التوحيد مع بعض زملائه - وكانوا حديثي عهد بدراسة ألفية ابن مالك في النحو وحفظها - فكانوا يعمدون إلى الألفية فيجرون تعديلا على بعض عباراتها لتعبر عن المواقف الطريفة التي تمر بهم. فقال إنهم كانوا يأكلون (تميسا) وكان نصيب أحدهم تميسة محروقة، فكأنها لم تعجبه فارتجل أحدهم على الفور:
والأصل في التميس أن يقمرا وجوزوا المحروق إذ لا ضررا
وأسموا ما نظموه في هذا الباب بـ(ألفية ابن هالك).
المرض والموت
تحدث - رحمه الله - في أكثر من موضع عن المرض وأسبابه وأدوائه وتحدث عن الموت؛ نهاية كل حي. وكثيرا ما أشار إلى فوائد المرض والحاجة إليه، فمن ذلك قوله: «والإنسان حقا يحتاج إلى المرض خاصة في هذا الزمان المتقلب المتغير حتى يختبر قيمته لدى الآخرين ويختبر منزلته عند ربه... والمرض بقدر ما يأكل الجسد ويهد الحيل فهو يصفي النفس ويرجع الضمير إلى مكانه.. يحمل الإنسان على الالتصاق بخالقه أكثر فأكثر ويحقق معنى العبادة إذ هو يحمل الإنسان على الاستغفار والدعاء الذي هو مخ العبادة»
وتحدث عن عادة مستشرية في الناس وهي (تقدير الأموات)، وتساءل لم لا يقدر الإنسان ويكرم ما دام على قيد الحياة، فردَّ ذلك إلى النفاق الذي لا يتركه الناس حتى وهم واقفون على حافة القبر يدفنون ميتهم.. يقول: «إن احترام الشخص في حياته هو الأولى حتى يكون عطاؤه أكثر وأوفى، أما إذا ذهب إلى ربه فدعوه لربه لأن ربه هو الذي يعرف حقيقة المدح لذلك الإنسان في حياته وبعد مماته».
رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته، فقد كان مقدَّرا في حياته ومماته ..