لم تدم فرحة التونسيين طويلاً بتوصل الرباعي الراعي للحوار الوطني الى إحلال التوافق بين الفرقاء السياسيين بشأن اختيار السياسي مصطفى الفيلالي رئيساً للحكومة الجديدة التي ستخلف حكومة علي العريض المستقيلة، حيث أعلن الفيلالي رفضه لتولي المنصب، في حركة فاجأت قيادات الأحزاب المشاركة في الحوار المعطل منذ قرابة الشهرين بسبب تمسك كل حزب بمقترحه ورفضه لمقترح الأحزاب الأخرى.
فقبل ساعات قليلة من الندوة الصحفية التي ينظمها اليوم عند منتصف النهار الرباعي الراعي للحوار بقيادة اتحاد الشغل، خرج الفيلالي المرشح الوحيد الذي وافقت عليه كل التيارات السياسية بما فيها أحزاب الترويكا الحاكمة والمعارضة المنضوية تحت راية جبهة الإنقاذ، للعموم ليعلن بأنه يرفض تولي منصب رئاسة الحكومة، واضعاً بذلك كل من رشحه او وافق عليه في موضع التساؤل خاصة وأن الفرقاء السياسيين لم يقرؤوا حساباً لمثل هذا الموقف وبالتالي لم يطرحوا اسماً ثانياً يكون بديلاً للفيلالي في حال رفضه.
ومصطفى الفيلالي شيخ التسعين الذي تمرس على العمل السياسي منذ فترة الاستعمار الفرنسي لتونس ثم تولى مناصب سياسية في حكومة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، أرجع رفضه منصب رئاسة حكومة الكفاءات المستقلة الى عدة عوامل أهمها، عامل السنّ وضخامة المسؤوليات والبيئة السياسيّة غير الواضحة، رامياً عرض الحائط بحسابات السياسيين الذين رشحوه او وافقوا عليه في ربع الساعة الأخير من المهلة التي منحها الرباعي للأطراف السياسية لحسم أمر ترشيح شخصية مستقلة لخلافة العريض على رأس الحكومة.
وكان الحسين العباسي رئيس اتحاد الشغل الذي يقود الرباعي الراعي للحوار، أعلن بفرحة ظاهرة، ليلة الجمعة بأن الفرقاء السياسيين توصلوا الى اتفاق حول شخصية رئيس الحكومة، إلا أنه غفل عن تأكيد قبول مصطفى الفيلالي بهذا الترشيح بل لعله اعتبر أنه من البديهي أن يوافق الشيخ الفيلالي عما قرره المتفاوضون دون الرجوع إليه.
ويذكر أن حزب المؤتمر، الذي كان يرأسه المنصف المرزوقي رئيس الدولة، أعلن عن موافقته على ترشيح الفيلالي بالرغم من مقاطعته لجلسات الحوار الوطني وتهديده مرات متتالية باضطرار المرزوقي للتدخل لحسم الخلاف القائم وفق ما تنص عليه بنود القانون المنظم للسلطات المؤقتة او ما يسمى بـ»الدستور الصغير».
إلا أن المحللين السياسيين يرون أن تخطي عقبة تسمية رئيس جديد للحكومة من طرف المشاركين في الحوار الوطني، هو بمثابة خطوة عملاقة في اتجاه إيجاد مخرج للبلاد من عنق الزجاجة ومن المأزق الذي تردت فيه خاصة بعد تعبير العديد من المنظمات الحقوقية الإقليمية والدولية والمؤسسات المالية العالمية المانحة، عن عميق انشغالها وقلقها مما يحدث في تونس من تعطيل للمسار الانتقالي وتهديد للثورة، مشيرة الى أنه من الصعب حصول البلاد على قروض جديدة تساعد على تجاوز الوضع الاقتصادي المتدهور.
ويمكن القول إن الخوف الذي غادر نفوس التونسيين لساعات قليلة بعد اقتناعهم بقرب انفراج الأزمة السياسية التي يعانون منها منذ أشهر، عاد ليستقر في القلوب التي تتوجس خيفة من عدم توصل الرباعي الراعي للحوار ومن معه من قادة أحزاب سياسية الى إقناع المرشح الشيخ الفيلالي بقبول توليه رئاسة الحكومة، ولا يجد الرباعي وقتها من حل سوى إعلان فشل الحوار وما سيترتب عن ذلك من تبعات لا أحد يعرف نوعها ولا مداها، في ظل التهديدات الإرهابية التي أكدتها وزارة الداخلية التونسية التي أقرت بأن أخباراً استخباراتية تفيد استعداد الجماعات المسلحة المنتشرة هنا وهناك في البلاد لشن هجومات إرهابية ليلة رأس السنة الميلادية.
إلا أن المتتبعين للشأن السياسي المحلي يؤكدون بما لا يدع مجالاً للشك أن المساعي الرامية الى دفع الفيلالي نحو مراجعة موقفه ستؤتي أكلها قبل ساعات من انقضاء المهلة التي حددها الرباعي الراعي للحوار قبل كشف المستور، معولين في ذلك على الحس الوطني العالي الذي يتمتع به الفيلالي وحبه الكبير لتونس وجهوده المضاعفة التي بذلها منذ الثورة من أجل إعادة قطار المسار الانتقالي الى سكته الصحيحة.