تأليف الأديب الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر
قراءة حنان بنت عبدالعزيز آل سيف - بنت الأعشى -
جاء قطب الوزراء، وغطريف الأدباء، معالي الوزير الأديب الأريب عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر - يحرسه المولى جل في علاه، في كتابه الموسوم (برصد في سياحة الفكر) ليوثق منجزات أدبية فكرية، جاءت متناثرة ومتباينة ومتفرقة من عفو خاطره النثري الأدبي الثر المتدفق، وجاء الكتاب في أربعة أجزاء متلاحقة متنافسة وهي تحمل رسالة أدبية أبدعها قلم وزير، ليقول لك أيها القارئ الحصيف: (سياحتي في رياض الكتب جاءت من منبعين: المنبع الأول كتب مدت المطابع يدها ووضعتها على رفوف مكتبات البيع، أو ركبت جناح هدية تكرم بها مؤلفها، فاستوجبت جاذبيتها أن تعطى أولوية في القراءة والتعمق والرغبة في إشراك بقية القراء في الزبدة التي خرجت بها، فأشعت ما توصلت إليه في مجلة أو على صفحة جريدة، والمنبع الثاني كتب اطلعت عليها من قبل من أحسن الظن بي، فطلب مني أن أكتب مقدمة لها، فكتبت ما لا يعدو أن يكون فهرساً يكشف للقارئ خطة السير التي رأيت أن الكاتب تبناها والأسلوب الذي اختار) ثم إن بنات الشعر عزيزة على الشاعر، فكذلك بنات النثر عزيزة على الأديب، ومواد هذا الكتاب بأجزائه الأربعة ضاربة في قلب معاليه بسهم صائب، ونافذة في عقله بسهم نافذ، وهي شوارد فكر صاغها قلم وزير، وهي ذات حظوة عنده، فهن بنيات جد مليحات، جد مطاعات جد معشوقات:
أفاطم غرك أن حبك قاتلي
وأنك مها تأمري القلب يفعل
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي
بسهميك في أعشار قلب معطل
يقول - حفظه الله - لبنياته: (هذه السياحات أعدها بنيات لي، أليس أنهن ينسبن إليَّ، ولم أرض لهن الشتات، هذه في مقدمة كتاب، وتلك في المجلة الفلانية، وثالثة في صحيفة سيارة، ولهن حق أن أجمعهن في قصر واحد، يلم شملهن، وينظم عقدهن، تتماسك أيديهن يصل إليهن الخاطب بسهولة، ويجدهن القاصد للفائدة منتظرات لإعطاء ما فيهن من فائدة، إن وجدت - أو دالات عليها في مظانها من مناطق السياحة اللاتي زرناها معاً).
وخويطرنا الطلعة لم يبتدع في أدبه بدعة يلام عليها، بل حسبه أنه سار على ما سار عليه أدباء كبار، ونبغاء عظام، مثل الأديب مصطفى صادق الرافعي في: (وحي القلم) والأديب مصطفى لطفي المنفلوطي في نظراته التي سبقت عبراته، وأديب العزلة عباس محمود العقاد في عبقرياته، وعميد الأدب العربي طه حسين في معظم كتبه مثل: من حديث الشعر والنثر، وحديث الاثنين، ثم أردفه - بحديث الأربعاء - وأدباء أفذاذ أجلاء غير من سبق كأحمد حسن الزيات، وشكيب أرسلان، وإبراهيم المازني، وفرح أنطون، وحسين هيكل، وجبران خليل جبران.
فهو على أثرهم سائر، وعلى خطوهم قائف، فلله در المتأسي، ولله در المتأسى بهم.
وثمة طرافة تقترن بها ظرافة في قطع الكتاب بأجزائه الأربعة المتأصلة، يغلب عليها الإسهاب والصدق، والوضوح والموضوعية، والقوة والجمال، فقد جاءت صيد خاطر أديبنا، ولمح ناظر أريبنا، وفرسان الكتاب هم الملهمون الموهوبون الذين وظفوا قدراتهم في الحظوة بقلم وزيرنا الخويطر، ألهمه الله - وهذا القلم عفُّ الحرف، نزيه الصوت، جهبذ خبير بمواطن القوة، ومكامن الضعف، إلا أنه يقبل العشرة، ويسد الفجوة، ويقوم السقطة، وعفة اللسان عند الخويطر تسرح بي الخيالات إلى عفة لسان علامة الجزيرة وعلامتها الشيخ حمد الجاسر - عليه من الله شآبيب الرحمة والعفو والغفران - فيحكي الحاكون، ويتحدث المتحدثون أن من طرق نقده وتقويمه لما يقرأ أو يطلع عليه أن يكتب ملاحظاته في ورقة ويقدمها لصاحب الكتاب أو البحث. وممن سار معهم على هذا المنوال معالي الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر فقد سر بملاحظات له عليه في قصاصة ورق سلمها يداً بيد، وقد حكى هذا الأمر الخويطر نفسه في كتابه الحافل: (وسم على أديم الزمن)، ثم هما من (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)، وتخطر في ذاكرتي مقولة صادقة للصادق الأديب الرافعي عليه رحمة الله. أرى أنها من سمات كتب الخويطر عامة، وهذا الرصد الفكري خاصة، فيقول: (ربما عابوا السمو الأدبي بأنه قليل، ولكن الخير كذلك، وبأنه مخالف، ولكن الحق كذلك، وبأنه محير، ولكن الحسن كذلك، وبأنه كثير التكاليف ولكن الحرية كذلك).
هذا ويشمل ويشتمل الكتاب بلبناته الأربع كل خصائص معالي الوزير الأديب الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر، الأدبية النثرية الفنية المتميزة، ومن أراد أن يتعرف على الخويطر حقاً وحقيقة فليقرأويتأمل هذا الكتاب سواء أكان هذا مع كتبه كلها، أو دون سائر كتبه ومصنفاته الأدبية والتاريخية والنقدية والذاتية على كثرتها وتنوعها وشمولها. ويعد الخويطر - حرس الله خاطره بالتدفق والعطاء - من أدباء الأدب السعودي الحاضر المعاصر، وهو في هذه السمة لا يختلف عليها اثنان من ذوي الذوق البياني الأدبي القح الخالص.
إن صخراً لتأتم الهداة به
كأنه علم في رأسه نار
وهو ينطق بلسان الشعب السعودي، ويعبر بقلمه ويراعه عن الأدب السعودي في أزمنة مختلفة، وأمكنة متعددة.
يقول في رصده الفكري، ورصيده النثري، وهو يحلل إحدى قصائد كتاب أعجبه وأخذ بتلابيب ذوقه ما فحواه: (من القصائد التي تخاطب فيها وطنها القصيدة التي مطلعها:
يا غالي عزك علا بالعلالي
من عيشتي بك زاهي بك خفوقي
وتسمق الوطنية عندها وتعلو حين تقول:
غيرك من الأوطان ما قد حلا لي
في غربتي بأن الغلا لك شوقي
وفي قصيدة (حياتنا) تقول:
حياتنا من فضل ربي تساهيل
وقلوبنا بيض من الطيب مشهور
وتسوق في هذه القصيدة صوراً متتابعة للحياة في المملكة: أمطارها، وزراعتها، والعاملين فيها، والبسمة التي تعلو شفاه الناس بسعادتهم.. ولمحة عن المملكة وتكوينها، وإشارة إلى تاريخها وإلى أهلها). لك الله يا صاحب المعالي فلله ما أثمر أدبك ولله ما أخلص ولاءك، ولله ما ضمن قلبك ولو رتبنا كتب الخويطر التي تعين على قراءة سماته النفسية، وبصماته الذاتية، لجاء هذا الكتاب في ناصية الثبت المعد الذي يشرح قيم الخويطر ومبادئه، وأخلاقياته الخلاقة.
وأخيراً:
فالكتاب في مجموعه قراءات أو مقدمات أو كلمات ضمها خويطرنا بين دفتي هذا الكتاب وهو كتاب حقيق كل الحق بالقراءة والدراسة والعناية والتمحيص، ومن قرأ كتب الخويطر عرف معنى مقولة الأدباء في عصور متباينة متباعدة، (كم ترك الأول للآخر).