رواية (يوميات مطلقة) تأليف هيفاء بيطار تعبر عن معاناة بعض النساء بصدق وشفافية.. وقد قال عنها الأديب جمال الغيطاني: لا أظن أنني قرأت أعمالاً لأديبة تصور بجرأة وصدق دخائل الأنثى العربية كما قرأت في أدب هيفاء بيطار. ذلك الصوت الروائي القوي الذي ينبعث من اللاذقية ليبلغ شتى الآفاق، وليلمس الإنسان في كل زمان ومكان لصدقه وجرأته وجماله.
وتقول هيفاء بيطار في روايتها الصادر عن الدار العربية للعلوم:
الثالوث، أبي، أمي، أنا، نجلس في الصالون الكبير المستطيل، أبي وأمي في ثياب النوم مسترخيان على مقعدين يتفرجان على التلفاز، وأنا أجلس خلفهما بعيدة عنهما ثلاثة أمتار على كرسي منفرد وأتامل شعر أبي الفضي، ورقبته السمراء وكتفيه، وأراقب تحركات رأسه وتململاته في مقعده ثم أنقل بصري إلى أمي وأتأمل شعرها الأسود المصبوغ المرتب دوماً، وألمح طرف وجهها ونظارة البعد التي تلبسها حين تتفرج على التلفاز، ومن وقت لآخر تدور بينهما أحاديث حول المسلسل، أو ماذا سنطبخ غداً، أو لماذا تأخرت رسائل اخوتي؟ زوجان منسجمان في العقد السادس، وأنا رأس المثلث، امرأة مهجورة في الثلاثين، داخلي دائماً يغلي كبركان، صراخ أخرس يفجر شراييني، واتساءل أبداً: إلى متى وشبابي المدفون بين عجوزين شبعا من الحياة؟ وانتفض واقفة وانسحب من الصالون وأنا أحس أن بخار الانفجار أخذ يخرج من صدري صاعداً إلى انفي وفمي وأذني وأدخل غرفة نومي، وأنظر لنفسي في المرآة فتطالعني صورة امرأة جامدة الملامح، شفتاها مطبقتان ولكن لو انفرجتا لخرجت من بينهما حمم، نظرة عميقة جامدة تنذر أن حريقاً قريباً سيشتعل ليأكل الأخضر واليابس، ويهدني الإعياء أخيراً من ثقل الانفعالات المحبوسة في أعماقي واحول نظري إلى الملاك الطاهر النائم بهدوء على السرير، ابنتي الحلوة أقترب منها بحذر أغطيها جيدا، وآخذ شهيقاً عميقاً وأنا أشم رائحتها الطفولية الحلوة، وأغمض عيني وأنا أقول آه عميقة جداً، تنبع من أعمق نقطة في روحي.