أكَّد لـ«الجزيرة» الدكتور عبد الله العبيد مستشار وزير التجارة والصناعة، أن فرص انفتاح الأسواق وتسهيل التجارة البينية عالميًّا مرهونة بالرغبة والبرامج والسياسات الواضحة لاستغلالها، منوهًا إلى أن اتفاقية «حزمة بالي» بموضوعاتها المحددة التي أقرّتها منظمة التجارة العالميَّة مؤخرًا تمثِّل فرصًا واسعة يمكن الاستفادة منها لجميع الدول بما في ذلك المملكة.
وتناول العبيد في حديث خاص لـ«الجزيرة» تفاصيل ما جرى في اجتماعات المؤتمر الوزاري التاسع لأعضاء منظمة التجارة العالميَّة، الذي عقد في جزيرة بالي بإندونيسيا خلال الفترة من 3 إلى 6 من شهر ديسمبر الجاري.. قائلاً: إنه بعد مفاوضات ومشاورات شاقة أدت إلى تمديد أيام المؤتمر يومًا أنهى الأعضاء مؤتمرهم بإقرار «حزمة بالي Package Pali « التي تعتبر جزءًا محدودًا من موضوعات «أجندة الدوحة للتنمية» التي سبق الاتفاق عليها وإطلاقها خلال المؤتمر الوزاري الرابع للمنظمة الذي عقد في العاصمة القطرية الدوحة عام 2001، التي رغم المفاوضات المتواصلة والشاقة منذ ذلك الوقت كما تَمَّ الاتفاق عليه حولها وحتى تاريخه لم يتم الوصول إلى اتفاق نهائي حولها جميعًا كحزمة واحدة One -Single Undertaking.
وأشار العبيد إلى أن المملكة شاركت بفعالية في هذا المؤتمر بوفد رسمي رأسه وزير التجارة والصناعة الدكتور توفيق الربيعة وعدد من المختصين من وزارة التجارة والصناعة، وزارة المالية، وزارة الزراعة، وزارة البترول والثروة المعدنية، مؤسسة النقد العربي السعودي، مصلحة الجمارك، هيئة الاتِّصالات وتقنية المعلومات ومكتب الممثل المقيم للمملكة في المنظمة بجنيف، لافتًا إلى تأكيد وزير التجارة في كلمتين ألقاهما خلال جلستي المؤتمر على أهمية عدالة وشفافية النظام التجاري العالمي ودور منظمة التجارة العالميَّة فيه، وعلى مباركة المملكة على ما سيتم الموافقة عليه في هذا المؤتمر على أن يبذل الجهد اللازم لإنهاء جميع الموضوعات المتبقية من أجندة الدوحة للتنمية، كما بارك لليمن انضمامها للمنظمة، ودعا إلى اعتماد اللغة العربيَّة كإحدى اللغات الرسمية المعتمدة في المنظمة، إلى جانب منح فلسطين وجامعة الدول العربيَّة صفة عضو مراقب في المنظمة.
وقال مستشار وزير التجارة والصناعة: إن «حزمة بالي» بموضوعاتها المحددة تمثِّل فرصًا واسعة يمكن الاستفادة منها لجميع الدول بما في ذلك المملكة خاصة اتفاقية تيسير التجارة وموضوعات الزراعة، مبينًا أن اتفاقية تيسير التجارة ستُؤدِّي حتمًا إلى زيادة وتسهيل التجارة بين الدول وبما يُؤدِّي إلى زيادة حجمها وتقليل تكاليفها وبالتالي ستكون هناك فرص يجب استغلالها لزيادة نفاذ الصادرات السعوديَّة للأسواق العالميَّة، وكذلك زيادة الواردات وبما قد يُؤدِّي إلى انخفاض نسبي في أسعارها.
وفي كلِّ الحالات يجب أن يستعد القطاع الخاص للاستفادة من مثل هذه الفرص وكذلك الأجهزة الحكوميَّة المعنية خاصة ذات العلاقة بمنافذ التصدير والاستيراد مثل الجمارك وهيئة الدواء والغذاء والهيئة السعوديَّة للمواصفات والمقاييس للتأكَّد من أن سهولة إجراءات الاستيراد والفسح والترانزيت لن تُؤدِّي إلى دخول سلع رديئة أو ممنوعة أو غير مطابقة للمواصفات، كما أن هناك دورًا مهمًا يمكن أن تلعبه هيئة تنمية الصادرات السعوديَّة من التعريف الشامل لهذه الاتفاقية وتحديد الفرص اللازمة للتصدير وتقديم الدعم اللوجستي اللازم لذلك.
وفيما يتعلّق باتفاق الزراعة، أشار إلى أن استفادة المملكة منها تكمن في إمكانية دعم هذا القطاع خاصة لإنتاج السلع الغذائيَّة الاستراتيجية من أجل بناء مخزون إستراتيجي منها، كما يُتوقَّع أن يُؤدِّي هذا التوجُّه في دعم القطاع الزراعي إلى زيادة اعتماد الدول على إنتاجها المحلي من السلع الغذائيَّة الإستراتيجية (القمح، الأرز، الشعير، السكر، الذرة، وغيرها) وبالتالي ترك فرص لزيادة عرض مثل هذه السلع في الأسواق العالميَّة وبما قد يُؤدِّي إلى انخفاض أسعارها وبالتالي هناك المجال للمملكة كدولة مستوردة من الحصول على مثل هذه السلع الإستراتيجية بأسعار مناسبة.
4 موضوعات رئيسة تشملها «حزمة بالي»
وأضاف العبيد: إن أهم ما تم اتِّخاذه في هذا المؤتمر واستماتت على تحقيقه الدَّوْلة المضيفة هو الموافقة على حزمة بالي بعد أن تَمَّ إجراء بعض التعديلات البسيطة عليها وبما يتوافق مع مطالبات بعض الدول وحقق فيما بعد موافقة جماعية عليها، حيث شملت الاتفاقيات: اتفاقية تيسير التجارة Trade Facilitation Agreement التي تعتبر من أهم مكونات حزمة بالي وهي كذلك أحد موضوعات أجندة الدوحة للتنمية وتستهدف تسهيل وتسريع إجراءات فسح البضائع في المنافذ المختلفة البريَّة والجويَّة والبحريَّة من خلال تقليص الإجراءات اللازمة واستخدام وسائل التقنية الحديثة في النماذج المطلوبة ودفع الرسوم وغيرها، تحتوي الاتفاقية على فصلين الأول أحكام عامة حول آليات التطبيق والفصل الثاني أحكام للمعاملة التفضيلية والخاصَّة للدول النامية والدول الأقل نموًّا مُتضمِّنة المساعدات الفنيَّة المطلوبة لهذه الدول لتطبيق الاتفاقية حسب إمكاناتها وظروفها. وأردف الدكتور العبيد: ويُتوقَّع بعض المحليين أن تُؤدِّي هذه الاتفاقية إلى تقليص وقت فسح البضائع في المنافذ بنسبة 20 في المئة مما سيُؤدِّي إلى تقليل تكاليف الاستيراد والتصدير ومن، ثمَّ انخفاض أسعار السلع في الأسواق النهائية فتزداد بذلك حجم وقيمة التجارة الدوليَّة كما يُتوقَّع أن تُؤدِّي إلى انتعاش في الناتج الإجمالي العالمي يفوق التريليون دولار سنويًّا هذا بالإضافة إلى خلق فرص وظيفية تتجاوز 18 مليون وظيفة.
كما تضمنت الاتفاق على موضوعات محددة في الزراعة منها الخدمات العامَّة General Services حيث تَمَّ إضافة عدد من الأنشطة والبرامج الخاصَّة بالتنمية الريفية والأمن الغذائي ومحاربة الفقر خاصة في الدول النامية ضمن الخدمات العامَّة التي يمكن دعمها ضمن برامج وأنشطة الصندوق الأخضر Green Box Measures التي لا تخضع للتخفيض المستقبلي ولا لإجراءات التقاضي أمام لجنة المنازعات التجاريَّة (ومن هذه البرامج الجديدة برامج إصلاح الأراضي الزراعيَّة المتدهورة، المحافظة على التربة، إدارة التصحر والفيضانات، برامج التوظيف الريفي، برامج التوطين الزراعي وغيرها من البرامج المشابهة).
وعن دعم بناء خزن إستراتيجي للسلع الغذائيَّة الرئيسة من أجل الأمن الغذائي، فإنَّه بهذا الاتفاق يحق لجميع الدول النامية دعم شراء المحاصيل الرئيسة من المزارعين المحليين وذلك لغرض بناء خزن إستراتيجي من هذه السلع لمواجهة أخطار الأمن الغذائي وفق آلية مرحلية حتَّى موعد المؤتمر الوزاري الحادي عشر للمنظمة أيّ بعد أربع سنوات يتم خلالها الوصول إلى حل نهائي لهذا الموضوع من خلال مفاوضات جديدة تحت إشراف لجنة تحضيرية في المنظمة، وقد كان هناك خلاف حاد جدًا بين كل من الهند (ومعها عشر دول أخرى) وبين بقية الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية حيث تطالب الهند بأن يكون هناك حل نهائي لهذا الموضوع وألا تقل الفترة المرحلية عن أربع سنوات وأن يكون هناك بند سلام Peace Clause يحفظ هذا الالتزام، بينما ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن تكون الفترة المرحلية مدتها سنتان مع عدم وضوح آلية الوصول لحلِّ نهائي.
ولفت الدكتور العبيد إلى أنّه وبعد مشاورات مضنية أدت إلى امتداد أيام المؤتمر يومًا إضافيًّا تخللها محادثة هاتفية من الرئيس الإندونيسي لرئيس الوزراء الهندي تَمَّ الوصول إلى صيغة توافقية بأن تكون الفترة المرحلية مدتها أربع سنوات على أن يَتمَّ التَّوصُّل إلى حل نهائي حولها خلال المؤتمر بعد القادم للمنظمة.
وقد تَضمَّن اتفاق الزراعة أحكامًا خاصة لضمان التطبيق الصحيح له وفق آلية محددة تشرف عليها المنظمة تَضمَّن عدم تشويه السلع المنتجة محليًّا وفق هذا البرنامج للتجارة، وكذلك عدم تسرب السلع للأسواق الخارجيَّة.
وأضاف: لا شكَّ أن ما تَمَّ التَّوصُّل إليه يؤكد أهمية قضايا الزراعة وحساسية التعامل معها والقناعة بدعمها نظرًا لأهميتها للدول في تحقيق الأمن الغذائي واعتبارات أخرى أمنيَّة وسياسيَّة واجتماعيَّة.
وتحدث مستشار وزير التجارة والصناعة حول أحكام إدارة الحصص التعريفية للسلع الزراعيَّة، قائلاً: إن الاتفاق بشأنها تَضمَّن ايضاحات جديدة حول آلية تطبيق الحصص التعريفية التي تتمتع بها بعض الدول منذ انضمامها للمنظمة حتَّى لا تصبح عوائق أمام انسياب التجارة الدوليَّة. كما شمل الاتفاق دعم الصادرات الزراعيَّة حيث تَمَّ التأكيد على الالتزام بإنهاء كل صور الدعم وفق المفاوضات الحالية لأجندة الدوحة للتنمية التي لم يتم التَّوصُّل إلى إنهاء جميع موضوعاتها حتَّى تاريخه.
وبالرغم من أن البيان الختامي للمؤتمر الوزاري السادس في هونج كونج عام 2005م قد تَضمَّن التزام الدول التي تدعم صادرتها الزراعيَّة وفي مقدمتها دول الاتحاد الأوروبي بإنهاء كل صور هذا الدعم في عام 2013، إلا أنها لم تلتزم بذلك وجعلته مربوطًا بإنهاء المفاوضات في جميع الموضوعات من خلال المفاوضات الزراعيَّة الحالية ضمن أجندة الدوحة للتنمية.
القطن وتنظيم المعاملة التفضيلية
وأشار العبيد إلى أنَّه تَمَّ الاتفاق أيْضًا على معالجة موضوع مبادرة القطن من خلال المفاوضات الزراعيَّة الحالية ضمن أجندة الدوحة للتنمية. وتتَضمَّن هذه المبادرة مطالبة الدول الفقيرة المنتجة للقطن خاصة في وسط إفريقيا إنهاء الدعم الكبير الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية لمزارعي القطن مما أدَّى إلى زيادة الإنتاج وبالتالي زيادة التصدير بأسعار رخيصة لا يستطيعون منافستها.
وفيما يتعلّق بقضايا التنمية والدول الأقل نموًا، قال العبيد: إنه تَمَّ الاتفاق على تأكيد وتنظيم المعاملة التفضيلية والخاصَّة للدول الأقل نموًّا وبما يُؤدِّي إلى تنمية صادراتها وتحسين ظروف وإجراءات دخول سلعها لأسواق الدول الأخرى دون رسوم أو عوائق وتقديم المساعدات الفنيَّة اللازمة لها للاستفادة من مثل هذه الالتزامات، مبينًا أنَّه تَمَّ في المؤتمر قبول انضمام اليمن للمنظمة والمصادقة على الوثائق الخاصَّة بانضمامها بعد مسيرة انضمام طويلة امتدت حوالي 13 سنة حيث بدأت في 2000. وبذلك أصبحت اليمن العضو رقم 160 في المنظمة وكذلك العضو رقم 35 ضمن الدول لأقل نموًّا في المنظمة.
اتفاقية المشتريات الحكوميَّة المعدلة
وأوضح العبيد أنَّه تَمَّ على هامش المؤتمر توقيع 15 دولة على الصيغة المعدلة لاتفاقية المشتريات الحكوميَّة Government Procurment Agreemenet كاتفاقية عديدة الأطراف Plurilateral Agreemant التي تدعو إلى أن تكون مناقصات المشتريات الحكوميَّة أكثر شفافية وعلى أسس تجاريَّة دون تمييز بين مصادر هذه المشتريات، مبينًا أن الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وكندا وهونج كنج وتايون والنرويج تعتبر أهم الدول التي وقعت على هذه الاتفاقية، التي تطالب هذه الدول بقية أعضاء المنظمة للانضمام لهذه الاتفاقية، علمًا أن المملكة قد وعدت عند انضمامها للمنظمة في 2005م بدراسة هذه الاتفاقية والانضمام إليها مستقبلاً.