تحتبس أنفاس التونسيين مع اقتراب المواعيد الثلاثة الحاسمة التي تنبئ بتحول جذري نحو الأسوء في الوضاع العامة بالبلاد، على ضوء ما ينتظر تونس من أحداث قد تعصف بما تبقى من استقرار ضعيف واقتصاد منهار، أو قد تثمر توافقاً عزيزاً على القلوب بالعثور على العصفور النادر ليخلف علي العريض على رأس حكومة الكفاءات المستقلة التي سيتم تشكيلها قريباً.
الموعد الأول يوم السبت 14 دسيمبر الجاري ويتمثل في انتهاء مهلة العشرة أيام التي أعلنها الرباعي الراعي للحوار بعد فشله في إحلال التوافق بين طرفي النزاع، الترويكا الحاكمة وأحزاب المعارضة. ويخشى التونسيون في حال فشل الرباعي في مسعاه ولم يتوفق إلى تقريب وجهات نظر الأحزاب، أن تتحول البلاد إلى حلبة عملاقة من الفوضى المدمرة وربما تؤول الأوضاع إلى ما لا تحمد عقباه، وتزداد المؤشرات الأمنية والاقتصادية تدهوراً مما يؤذن بدخول تونس مرحلة اللاعودة بسبب تعنت الطبقة السياسية وتغليبها المصلحة الحزبية الضيقة على المصلحة العليا للوطن.
وفي خضم هذه النقلة النوعية المرتقبة، يحل موعد 17 دسيمبر الذي يوافق الذكرى الثالثة لإندلاع الشرارة الأولى للثورة التونسية، وما رافقها من سقوط لضحايا استشهدوا من أجل تحقيق الكرامة والعدالة التنموية والاجتماعية والتشغيل والحق في حرية التعبير. وهي مطالب لم يتحقق منها سوى حق الحرية في التعبير، حيث سجل الإعلام فوزاً ساحقاً على الديكتاتورية فانبرى صوتاً لمن لا صوت لهم، يعبر عن كل مشاغل الطبقة الكادحة والمحرومة والمهمشة، ويلقي بسياطه على أجساد السياسيين الفاشلين.
والأكيد أن حملات التعبئة التي تشهدها مختلف محافظات البلاد من طرف اتحا د الشغل والجبهة الشعبية المعارضة استعداداً لشن إضرابات قطاعية حيوية ستصيب البلاد في مقتل، ولتنظيم احتجاجات شعبية واسعة النظاق سيكون المطلب الأول للمشاركين فيها، إسقاط الحكومة حتى وإن لم ينجح الحوار الوطني في تسمية رئيس جديد يكون بديلاً للترويكا الحاكمة.
ووفق مصادر حسنة الإطلاع، فإن الحراك الشعبي سيكون هذا العام قاسياً على الحكومة ولن يرحم دعواتها للتهدئة ولا ادعاءاتها بسعيها إلى حل المشاكل العالقة والتي قامت عليها الثورة وتلاعبت بها الحكومات المتعاقبة منذ رحيل الرئيس السابق عن الحكم.
ولا يخفي الملاحظون أن هناك فرضية لا يجب استبعادها تتعلق بخطر تحول المسيرات السلمية إلى أعمال شغب وعنف واعتداء على الملك الخاص والعام، خاصة وأن الاحتقان الشعبي بلغ ذروته أمام نفاذ صبر الفئات المحرومة من التنمية في الحافظات الداخلية، زادتها تأزماً الخطابات التحريضية لبعض قيادات المعارضة التي تتطالب وبشدة بتفعيل استقالة حكومة علي العريض وفق بنود خارطة الطريق التي اقترحها الرباعي الراعي للحوار وعجز عن تطبيقها بسبب فشل الحوار.
أما الموعد الثالث وهي الأخطر، فيتأتى من التهديدات الإرهابية التي رصدتها أجهزة الاستخبارات التونسية والأجنبية حيث أكدت أن مخططاً إرهابياً كبيراً تعكف الجماعات المسلحة على وضع لمساته الأخيرة بغاية تنفيذه خلال فترة نهاية العام الإداري وتحديداً في موفى هذا الشهر.
وكان وزير الداخلية لطفي بن جدو، أقر بوجود هذا المخطط وأعلن أن قوات الأمن أعدت إستراتيجية محكمة لمجابهة الخطر الإرهابي فيما لا تزال فرق الأمن والجيش تلاحق العناصر الإرهابية المتحصنة بجبل الشعانبي من محافظة القصرين الجنوبية، حيث يسجل يومياً تفجير الغام زرعتها المجموعة الإرهابية داخل المنطقة العسكرية المغلقة، بالرغم من أحكام قبضة الأمن على كامل محيط الجبل مما أدى إلى قطع تزويدها بالمؤونة من الأسلحة والغذاء، إلا أن كل الإجراءات المتخذة لم تفض بعد إلى القضاء على خطر هذه العناصر الخطيرة.
سياسياً، أثار مقترح الباجي قائد السبسي رئيس الوزراء الأسبق ورئيس حزب نداء تونس أحداث «مجلس أعلى للدولة « يتقاسم فيه السلطة مع زعيم حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي واحد الرموز السياسية الفاعلة في الساحة، جدلاً كبيراً في الأوساط السياسية الحليفة له بالخصوص، حيث قالت بعض القيادات إن التوافق بشأن رئيس واحد للحكومة استغرق وقتاً وجهداً كبيرين، فكيف إذا تعلق الأمر بمجلس يضم ثلاثة أو أربع شخصيات. وذهب بعض السياسيين إلى حد التساؤل عن صلاحيات هذا المجلس في ظل وجود المجلس التأسيسي السلطة الشرعية الوحيدة في البلاد، وأضافوا بأنه من الصعب تنفيذ هذا المقترح خارج أسوار الحوار الوطني بالرغم من اعترافهم بوصول الحوار إلى نفق مسدود.
حلفاء السبسي في جبهة الإنقاذ المعارضة، استغربوا مقترح شريكهم الذي لم يتشاور معهم بهذا الخصوص واختار التنسيق مع جهات أخرى خارج الحدود وفق رأيهم، فيما لم يتردد بعض المحللين السياسيين في اعتبار أن المقترح البديل للسبسي، لا يعدو أن يكون سوى حل وسط ربما يكون الرئيس الجزائري وراءه بالنظر إلى أن تجربة المجلس الأعلى للدولة انتهجتها الجزائر في نهاية التسعينات من القرن الماضي ونجحت في لم شمل التيارات السياسية المتناحرة وقتها وتقوية الوحدة الوطنية.