ساهمت «القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي»، التي جاءت في سياق مبادرة «دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي» في إيجاد منصة للتحاور وتبادل الآراء والأفكار حول سُبل وآليات تطوير القطاعات المكونة للاقتصاد الإسلامي، في تسليط الضوء على ستة محاور رئيسة لقطاع الاقتصاد الإسلامي كانت مغيبة على الكثيرين. وهي التمويل الإسلامي, والأغذية الحلال, وأنماط الحياة الحلال, والسفر العائلي, وتطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة, إضافة إلى محور البنية التحتية للاقتصاد الإسلامي.
وأشار المراقبون إلى أن هذه القمة التاريخية قد عكست الدور الحيوي لدبي بعد أن أخذت زمام المبادرة، بعد أن كان هذا القطاع محصوراً في دائرة «التمويل الإسلامي» لتحاول جاهدة التفكير بمبادرة تساهم في النهوض بالاقتصاد الإسلامي خارج النطاق الضيق الذي رسمه البعض ، إذ نجحت دبي في وضع حجر الأساس لنقل هذا القطاع إلى مرحلة جديدة.
فعندما قالت الحكومة البريطانية الشهر الماضي: إنها ستصدر أول سندات إسلامية تجاوز المغزى أسواق الديون بكثير. فكان إعلان لندن إشارة إلى أنها لن تنسحب من منافسة متزايدة بين عواصم مالية على كعكة صناعة التمويل الإسلامي. لكن لندن تواجه تحديا متزايدا من عاصمتين ماليتين هما دبي وكوالالمبور.
وأعلنت دبي من قلب منطقة الخليج الثرية خطة لدعم قطاع التمويل الإسلامي على أراضيها هذا العام. وتمتلك دبي ثقافة ريادة الأعمال التي جعلت منها أكبر مركز مصرفي تقليدي بالشرق الأوسط وقد تشارك شركات حكومية كبرى في دبي في دعم إستراتيجية الحكومة في هذا الإطار. وقد لا تتضح النتيجة النهائية لهذه المنافسة بين المدن الثلاث قبل سنوات من الآن. لكن الآلاف من فرص العمل وأحجام هائلة من الاستثمارات المباشرة بالشركات والعقارات ستعتمد على نتيجة هذا السباق.
ودعت القمة العالمية إلى ضرورة العمل على إيجاد منظومة عالمية شاملة للنهوض بالاقتصاد الإسلامي وترسيخ مكانته العالمية، ودمج قطاعاته المختلفة في مسارات متلاقية يغذي بعضها بعضاً. وأشاروا إلى ضرورة توحيد مفهوم (الحلال) والمعايير الاقتصادية الإسلامية، واعتماد إطارٍ تشريعي متكامل ينظم بيئة العمل ضمن منظومة الاقتصاد الإسلامي، مشددين على أهمية تبني الابتكار كأساس لتطوير الاقتصاد الإسلامي العالمي، بما يواكب احتياجات العصر ومتطلبات المستهلك في العالم الإسلامي. وشددوا على أنه من الأهمية بمكان أن ترتكز النظرة المستقبلية للاقتصاد الإسلامي إلى أبعد من مجرد الصيرفة الإسلامية، لأن الاقتصاد الإسلامي لا يقتصر على هذا المجال فقط، بل هو متنوع ويشمل جميع مجالات الاقتصاد، مؤكدين على ضرورة أن يدرك موفرو الخدمات الإسلامية احتياجات المستهلك المسلم، ويبتكروا خدمات ومنتجات تلبي حاجات الفئات غير المسلمة.
واعتبر مدير عام غرفة تجارة وصناعة دبي، حمد بوعميم، أن الاقتصاد الإسلامي منظومة كاملة تشمل جميع جوانب الحياة الاقتصادية، من تشريعاتٍ وبنيةٍ تحتية وقطاعات اقتصادية، وحتى نمطِ حياةٍ يبدأ من الأصناف الغذائية مروراً بالأزياء والسياحة ومستحضرات التجميل، وانتهاء بالخدمات المصرفية. وأوضح أن أهمية الاقتصاد الإسلامي تبرز لكونه سوقاً واعدة غير مستغلة حيث تبلغ قيمة الناتج الإجمالي المحلي للاقتصادات الإسلامية في العالم أكثر من 8 تريليونات دولار، في وقت نشهد فيه تغيراً في العادات الاستهلاكية العالمية وتوجهاً أكثر نحو المنتجات والخدمات الإسلامية. ولفت مدير عام غرفة دبي إلى أن الاقتصاد الإسلامي، لا يغطي القاعدة الاستهلاكية المسلمة فقط والتي تقدر بـ23 % من إجمالي عدد سكان العالم، بل إن الإقبال على خدمات قطاعات الاقتصاد الإسلامي بات عالمياً ومن مختلف الثقافات والديانات والخلفيات بعد أن أثبت الاقتصاد الإسلامي مرونته وقوته كنموذج ناجح لمستقبلٍ واعد.
نهاية دورة الازدهار
دعا حسين القمزي الرئيس التنفيذي لبنك نور الإسلامي إلى ضرورة تعزيز الشفافية في معاملات المصارف الإسلامية عبر تسويق منتجات مصرفية تُبنى على هذه القيمة، مؤكداً أن البنوك الإسلامية تتمتع بإمكانات واعدة لتحقيق نمو أكبر.
من ناحيته أشار طراد المحمود الرئيس التنفيذي لمصرف أبوظبي الإسلامي إلى أنه يتوجب على المصارف الإسلامية أن تبدي أنفسها كمؤسسات مهتمة بالقيم الأخلاقية وتتمتع بجاذبية عالمية، لمواصلة وتيرة نموها السريعة.
وأوضح أن صناعة الخدمات المصرفية الإسلامية التي تعود أصولها لفترة سبعينيات القرن الماضي، بدأت بالوصول لمستويات طبيعية من النضج بعد طفرة من التوسعات المتسارعة، وخاصةً منذ الأزمة الاقتصادية العالمية.
فقد حققت أصول 20 مصرفاً من أهم المؤسسات المالية الإسلامية زيادة سنوية بنسبة 16 بالمئة على مدى السنوات الثلاث الماضية، ومع ذلك فقد بدأت وتيرة هذا النمو بالتباطؤ».
وأظهرت دراسة لمصرف أبوظبي الإسلامي هذا العام، أن 12 إلى 20 بالمئة من الأشخاص الذين يعيشون في دول يُشكّل المسلمون أغلبية سكانها، كدولة الإمارات ومصر وتركيا وإندونيسيا، يرغبون بالتعامل مع المصارف التي تتوافق معاملاتها مع الشريعة الإسلامية، ولكن حوالي نصف سكان هذه الدول يرغبون بوجود معايير أخلاقية أعلى مما يختبرونه حالياً على أرض الواقع من خلال التعامل مع مصارفهم.
وأوضح المحمود: «أعتقد بأننا على أعتاب النهاية الطبيعية لدورة الازدهار، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هل بإمكاننا الارتقاء بالخدمات المصرفية الإسلامية إلى مستويات أعلى؟ فلا يجب علينا الاكتفاء بما حققناه لمجرد أننا حظينا بفترة ازدهار قوية».
وأضاف: «أنا متفائل؛ لأن المصارف الإسلامية تحظى بفرصة فريدة كونها وضعت القيم الأخلاقية في جوهر عملياتها المصرفية، كما أن المؤسسات التي تُطبّق القيم الأخلاقية في تعاملاتها تصبح أقوى وأكثر نجاحاً على المدى الطويل.
أما مسيرة ازدهارنا المستقبلية فستأتي من جراء التركيز على المضمون بدلاً من الظاهر، والحفاظ على بساطة ووضوح منتجاتنا وخدماتنا، فضلاً عن شموليتها، وهو ما سيُشعر كافة المجتمعات بالراحة والترحيب عند التعامل معنا».
إدارة السيولة
وطالب المتحدثون خلال جلسة ضمت الرؤساء التنفيذيين لمجموعة من أبرز المصارف الإسلامية، بأن توفر البيئة التشريعية والتنظيمية للقطاع المصرفي مساحة أوسع للبنوك التقليدية على حساب البنوك الإسلامية خاصة فيما يتعلق بأدوات استثمار السيولة الفائضة لدى المصارف الإسلامية، بما يمنح التقليدية فرصاً أكبر لتدوير السيولة لديها.
وأوضح المشاركون أن تهيئة البيئة التشريعية والتنظيمية للقطاع المصرفي الإسلامي لا تستلزم بالضرورة وضع قواعد تنظيمية خاصة بالبنوك الإسلامية، التي يمكنها العمل كما هو حاصل حالياً وفقاً لمجموعة القواعد التنظيمية للقطاع المصرفي بوجه عام، لافتاً إلى أن إدارة الأموال لا تحتاج لقواعد تنظيمة مختلفة.
نجاح المبادرة
من جانبه قال رئيس البنك الإسلامي للتنمية في جدة: إن دولا في آسيا الوسطى وأفريقيا تتوقع الاستفادة من دبي في بناء الخبرات وقنوات التمويل في إطار جهودها لتطوير قطاع المصرفية الإسلامية على أراضيها وذكر أحمد محمد علي رئيس البنك الإسلامي للتنمية -وهو مؤسسة مالية تجمع في عضويتها 56 دولة- أن دبي ستلعب دورا جوهريا في هذه العملية.
وقال في مقابلة أجرتها معه رويترز: «نريد من السلطات هنا توفير قنوات لهذه البلاد الأقل تطورا للاستفادة من وضع دبي الخاص كمركز مالي».
وفي يناير كانون الثاني أعلنت حكومة دبي خططا لإنشاء مركز عالمي للأنشطة التجارية المتوافقة مع الشريعة على أراضيها. وقال علي: «نحن في البنك نرحب بهذه المبادرة. هي لا تخدم مصلحة دبي وإنما الصناعة ككل».
وأشار المدني إلى أن نجاح القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي هو طريق نحو مبادرات أخرى لتعالج المواضيع الإستراتيجية في الاقتصاد الإسلامي وضمان نجاح مستقبلها في العالم، مشيراً إلى أهمية مخاطبة كافة المشاكل التي تعيق نمو الاقتصاد في دول المنطقة من خلال بناء اقتصاد إسلامي متكامل يوفر كافة الحلول المناسبة، حيث يوفر نجاح هذه القمة فاتحة خير وتوفيقاً لمبادرات تعالج عدداً من المواضيع الإستراتيجية التي تشغل بال كل مهتم بمكانة المالية الإسلامية ومستقبلها. وكشف المدني أن من بين مرتكزات رؤية البنك في أفق 2020 عولمة المالية الإسلامية لتسهم في بناء نظام مالي عالمي أكثر أمنا وأشار إلى أن هناك تحديات أمام أسواق صاعدة أظل بلدانها تباطؤ نمو على أعتاب جيل ثان من الإصلاحات.
الأرقام تتحدث
وأشار عبدالرحمن سيف الغرير، رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة دبي قائلاً: «إذا نظرنا إلى مجموعة من العوامل لا بد أن نخرج بخلاصة مفادها أن الاقتصاد الإسلامي هو مستقبل الأعمال. فقيمة الناتج الإجمالي المحلي للاقتصادات الإسلامية في العالم تبلغ أكثر من 8 تريليونات دولار في حين تبلغ الكثافة السكّانية للمسلمين 1.6 مليار شخص، وهي تنمو بمعدّل ضعفين مقارنة بمعدّل نمو الكثافة السكانية العالمية. وتتميّز الاقتصاديات الإسلامية بدخل مخصّص للإنفاق تبلغ قيمته 4.8 مليار دولار، وبكثافة سكانية شابة نسبياً. ولأن دبي تقع في وسط العالم الإسلامي؛ فهي تعتبر مركز الاقتصاد الإسلامي، وممراً أساسياً للعلاقات التجارية والاقتصادية بين الشرق والغرب والشمال والجنوب إضافة لكونها النقطة المحورية بين الأسواق الإفريقية والآسيوية والأوروبية».
وحول القطاع الإسلامي كمستقبل للأعمال، أشار الغرير إلى أن سوق الصناديق المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية تبلغ أكثر من 10 تريليونات دولار، في حين تقدر قيمة سوق الأغذية الحلال بحوالي 685 مليار دولار، والسوق العالمي لسفر المسلمين من أجل الترفيه يقدر بحوالي 126 مليار دولار، مؤكداً أن غرفة دبي تعمل باستمرار على إيجاد الفرص في قطاع الاقتصاد الإسلامي والتعريف بها لمجتمع الأعمال.
منافسة بين المراكز
وتتمتع العاصمة الماليزية كوالالمبور بسمعة طيبة كونها توفر منظومة تشريعية عالية الكفاءة للتمويل الإسلامي وبها سوق محلية ضخمة لإصدارات الصكوك بالعملة المحلية بدأت تجذب شركات دولية للإصدار هناك.
يقول خالد هولادار مدير ائتمان المؤسسات المالية في خدمة موديز انفستورز سيرفيس: «نحتاج كتلة حرجة من المقترضين والمستثمرين: لدينا مراكز متعددة تتطلع إلى بناء مكانة لها في القطاع الإسلامي».
ويعد أكبر مجال للمنافسة بين العواصم الثلاث قطاع ترتيب الصكوك؛ ذلك لأن لندن رائدة في جذب الشركات الدولية الكبرى الراغبة في إصدار الصكوك بسبب كبر حجم أسواقها المالية التقليدية ونظامها القانوني الذي يحظى بمكانة دولية.
وتمتلك ماليزيا ميزة السوق الحية بفضل إصدارات الصكوك بالعملة المحلية نتيجة وجود أغلبية مسلمة.
لكن دبي حققت نصرا أيضا هذا الشهر حين أعلن البنك الإسلامي للتنمية في جدة والذي يدير برامج صكوك في لندن وكوالالمبور أنه سيدشن برنامج صكوك في بورصة ناسداك دبي بعشرة مليارات دولار.
وقال ابوستولوس بانتيس المحلل الائتماني للأسواق الناشئة في كومرتس بنك: إنه بما أن لندن لا تقع ضمن محيط طبيعي للشركات المصدرة للصكوك وبما أن العملاء الأوروبيين سيظلوا مجموعة محدودة فإن وضع لندن يبدو الأضعف بين المراكز الثلاثة في المدى الطويل.