المدينة المنورة - مروان عمر قصاص:
بحضور صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامَّة للسياحة والآثار، رعى صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة المدينة المنورة رئيس مجلس التنمية السياحيَّة بالمنطقة، مساء أمس الأول حفل افتتاح ملتقى التراث العمراني الوطني في دورته الثالثة بالمدينة المنورة.
كما حضر حفل الافتتاح الذي أقيم بجامعة طيبة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، وعدد من أمناء المناطق والمحافظات والمسؤولين والخبراء والمختصين في مجال تطوير التراث العمراني وتوظيفه، من داخل المملكة وخارجها.
وفور وصول سمو الأمير سلطان بن سلمان وسمو الأمير فيصل بن سلمان إلى مقر الحفل دشنا المعرض المصاحب للملتقى، واطلعا على ما يحتويه من أجنحة لعدد من الجهات والشركات المتخصصة في التراث العمراني.
بعد ذلك بدئ الحفل الخطابي بتلاوة آيات من القرآن الكريم، ثمَّ ألقى رئيس لجنة المحافظة على التراث في العلا أحمد الشويكان كلمة تناول فيها قصة الاهتمام بالبلدة التراثية بالعلا وتعاضد الأهالي بدعم الهيئة لإعادة الحياة للبلدة.
عقب ذلك ألقى معالي أمين منطقة المدينة المنورة رئيس اللجنة المنظمة للملتقى الدكتور خالد طاهر كلمة أعلن فيها عن جائزة سمو أمير منطقة المدينة المنورة بقيمة مليون ريال للمسكن التراثي المميز، وذلك بهدف التشجيع على ترميم وتأهيل المباني التراثية في المنطقة.
كما أعلن عن مبادرة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان إنشاء الحي التراثي المديني، الذي يقع على مساحة 120 ألف متر مربع بحديقة الملك فهد يشغل طوال العام، فضلاً عن تأسيس إدارتي التراث العمراني وإعمار البيئة بالأمانة للعناية بالدراسات والمشروعات التراثية العمرانية والبيئية.
وقال الدكتور طاهر: إن الأمانة بدأت بتنفيذ ما يزيد عن عشرين مشروعًا تراثيًا بشراكة وتكامل بين أمانة منطقة المدينة المنورة والهيئة العامَّة للسياحة والآثار.
وعبَّر في كلمته عن اعتزاز أمانة المنطقة بالمشاركة في تنظيم هذه التظاهرة الوطنيَّة المهمة، مشيرًا إلى أن الملتقى يعد الحدث الأبرز على مستوى المملكة في مجال الحفاظ على التراث العمراني واستثماره وتحويله إلى مصدر جذب سياحي واقتصادي. ثم عرض شريط من إنتاج الهيئة عن التراث العمراني في المملكة.
بعد ذلك كرّم الأمير سلطان بن سلمان والأمير فيصل بن سلمان الرعاة والجهات والأفراد الداعمين للتراث العمراني. ثم ألقى الأمير سلطان بن سلمان كلمة عبَّر في مستهلها عن سعادته البالغة بوجوده في مدينة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم وأرض الإسلام للمشاركة في هذا الملتقى ولرؤية التحولات الهائلة التي تحدث أمام عينيه وكأنه حلم.
وقال وبناءً على ذلك فقد اتخذ هذا الملتقى شعارًا قرَّرنا أن يكون مستديمًا لجميع الملتقيات القادمة بإذن الله وهو (التراث العمراني الوطني.. من الاندثار إلى الازدهار)، معلنًا أن الملتقى المقبل سيكون في منطقة عسير -بإذن الله-. وأضاف: «أن هذا التحول المشهود للتراث العمراني الوطني يأتي لتحقيق توجيهات وأوامر سامية من مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- بأن نركز على الاعتزاز بهذا التراث العظيم، ونجعله جزءًا لا يتجزأ من قراءة تاريخنا الوطني وملحمة توحيد بلادنا، هذه البلاد المستقرة المطمئنة المزدهرة التي تنطلق نحو المستقبل بهذه السرعة الهائلة في خضم هذا العالم المضطرب».
وأشار سموه إلى أن الهيئة تعمل بالشراكة مع عدد من الجهات والمجتمعات المحليَّة في مواقع التراث العمراني وهذا مما أدَّى إلى نجاحها وقال: «بلا شكّ الهيئة العامَّة للسياحة والآثار تعمل في مئات المواقع الممتدة عبر إطار بلادنا الغالية الشاسعة، وتعمل مع آلاف المواطنين وعشرات المسؤولين وعشرات الجهات المتنوعة باختصاصاتها، وهي تعمل ضمن مشروع معقد وصعب، ولكنه مشروع قام على أساس الشراكة، ولو لا الله سبحانه وتعالى، ثمَّ هذه الشراكة الممتدة عبر المواطنين والجهات الحكوميَّة والقطاع الخاص لما تحققت الكثير من النتائج التي نرى جزءًا منها خلال الملتقى.
وتناول سموه قصته مع التراث الوطني التي امتدت لأكثر من 27 عامًا، مؤكدًا أن نتائج هذا النشاط والإنجازات جاءت بعد مشروع تضامني وتعاوني مع المواطنين أولاً ومع الأجهزة الحكوميَّة ثانيًّا ومع القطاع الخاص ثالثًا. وقال سمو الأمير سلطان بن سلمان: وللمقارنة تحوَّلت أجهزة البلديات إلى أجهزة بناء، وللمقارنة قبل سنوات، بعد رحلات الاستكشاف والتعلم مع شركائنا في البلديات ووزارة الداخليَّة والمحافظين والجامعات، التي ذهبت إلى مناطق العالم لنريهم كيف تحوّلت المناطق المندثرة الخربة إلى آبار نفط غير ناضبة، ومواقع مزدهرة.
وأضاف وسترون غدًا في العلا -إن شاء الله-، وترون بعد غدٍ في ينبع، كيف تحوَّلت إلى مناطق تعجّ بالفرحة وبالتقاء المواطنين، ويحكي فيها التاريخ للإنسان قصة هذا الوطن وقصة اجتماع شمل المواطنين الذين يأتون من جميع الأرجاء والثقافات والخلفيات المختلفة.
وشدد سموه على أنّه لن يسمح لأيِّ كان بعد الآن أن يزدري أو يهدم أو يحتقر أو يعتدي على تلك المواقع الوطنيَّة.
وأردف سموه يقول: لذلك فإنَّ المهمة القديمة التي كنَّا نكافح وننافح للمحافظة عليها كمجموعة صغيرة منهم كثيرون موجودون اليوم، أصبحت اليوم مهمة وطنيَّة يقودها خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله-، ويسانده صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز، وأصبحت مهمة تشدد الدَّوْلة في الالتزام بها.
وزف سموه البشرى للجميع بأنّه سوف يصدر قريبًا نظام الآثار والمتاحف والتراث العمراني الجديد، مضيفًا: نحن نعتز ونعمل جميعًا كمشروع تضامني أصبح الجميع مشاركًا فيه اليوم. وقال سمو رئيس هيئة السياحة والآثار: «نحن لا ننظر إلى مواقع التراث العمراني لكي نحوّلها إلى مواقع معاشة فقط، بل الأهم من ذلك الأجيال القادمة، التي لا يُمكن أن تعيش في انفصام شخصيَّة، ولا يُمكن أن تعيش وهي منفصلة عن تاريخ بلادها وتاريخ هذه الملحمة الوطنيَّة العظيمة، فلا يُعقل أن نعيش في هذا البلد الآمن المطمئن المزدهر، البلد الذي يقود الحوار بين الأديان، والحوار العالمي بين الحضارات، بلد الكرم والأخلاق وقبل كل شيء بلد الإسلام، أن نعيش في انعزال تام عن ملحمة تكوين وتوحيد وتأسيس هذا البلد، وهذا هو الشيء الذي يحدث اليوم.
وواصل القول ما يُقرأ في الكتب شيء، ولكن أن تعيش التجربة وتقابل أهالي بلادك وأهالي هذه المناطق كبارهم وصغارهم فهو شيء آخر، فنحن نقوم اليوم بإعادة الحياة للمواقع التي انطلقوا منها في توحيد بلادنا، حيث لا يوجد مواطن اليوم إلا وساهمت أسرته وقبيلته وقريته ومدينته في بناء هذا الوطن، وبعد ذلك لا يُمكن اليوم أن يسمح لأيِّ كان، وهذه توجيهات القيادة، بالتعدي ولو على طوبة واحدة في تراث هذا الوطن.
ووجه سموه شكره لكل الجهات التي شاركت في هذا العمل الوطني في الحفاظ على التراث، حيث تغيَّرت النظرة فبعد أن كانت بعض البلديات تهدم مواقع التراث بدعوى أنها مبانٍ آيلة للسقوط أو فتح شوارع أو إنشاءات ها هي البلديات تنفق العام الماضي نحو مليار ريال موجهة لمواقع التراث.
وخلص سموه إلى القول: إن التراث العمراني يأتي تحت مظلة البعد الحضاري الوطني، ونحن نفخر بلا شكَّ أننا اليوم في المدينة المنورة ونسعد باهتمام صاحب السمو الملكي أمير المنطقة وفريق المنطقة المتكامل.
ويُقام الملتقى بمشاركة (100) باحث ومسؤول ومختص في مجال التراث العمراني من داخل المملكة وخارجها، إلى جانب مشاركة واسعة من المجتمع المحلي بشرائحه المختلفة.
ويناقش الملتقى في دورته الثالثة التي تستمر أعمالها خمسة أيام، وتنظمه الهيئة العامَّة للسياحة والآثار بمشاركة إمارة المدينة المنورة، وأمانة المدينة المنورة، وهيئة تطوير المدينة المنورة، وجامعة طيبة، سلسلة من قضايا التراث العمراني من خلال (36) بحثًا علميًّا ضمن الجلسات العلميَّة وورش العمل والدورات المتخصصة، حيث تتَضمَّن المحاور الرئيسة للملتقى القضايا الراهنة للتراث العمراني في المملكة العربيَّة السعوديَّة بشكل عام ومنطقة المدينة المنورة بشكل خاص، وأبرز مواقع التراث العمراني في المدينة المنورة، والقيمة الثقافية والجماليَّة للتراث العمراني في المملكة عمومًا والمدينة المنورة خصوصًا، وقصصًا لبعض مواقع التراث العمراني في المملكة، ودور التراث العمراني في بناء الهوية الوطنيَّة، ودور البلديات في المحافظة على التراث العمراني ووسائل تنميته.
كما تتَضمَّن المحاور التي سيناقشها الملتقى الحفاظ على الطابع المعماري التراثي المحلي في مشروعات الإسكان والمشروعات المعمارية في المناطق، وعرض تجارب البلديات المميزة في هذا المجال، والتَّعليم الجامعي في مجال التراث العمراني، وتقييم الوضع الراهن للتعليم الجامعي في مجال التراث العمراني، وعلاقة التراث بممارسة العمارة المعاصرة في المملكة، ودور الجهات الحكوميَّة والخاصَّة في تدريب المختصين والمجتمع المحلي في مجال إعادة تأهيل وترميم المباني التراثية، ودور المجتمع المحلي في تطوير التراث العمراني، والدروس المستفادة من زيارات استطلاع الخبرات العالميَّة في مجال التراث العمراني، والإمكانات والتحدِّيات في مجال الاستثمار في التراث العمراني.
وتشمل محاور الملتقى مناقشة الوعي الاجتماعي بقيمة التراث العمراني وتأثيره في المحافظة عليه، ومجالات مشاركة المجتمع المحلي في المحافظة على التراث العمراني واستثماره، ودور المرأة في التراث العمراني، والتأهيل والاستثمار في مجال التراث العمراني وتنميته، وتمويل مشروعات التراث العمراني، إلى جانب عرض عدد من التجارب المحليَّة والعالميَّة في التمويل والمحافظة على التراث العمراني وإعادة تأهيله وتوظيفه اقتصاديًا، وتجارب أصدقاء التراث العمراني.
ويتَضمَّن برنامج الملتقى تنظيم كثير من الفعاليات والأنشطة المصاحبة والمعارض المتخصصة في مجال التراث العمراني، علاوة على برامج ثقافية متنوعة مثل الأمسية في التراث العمراني، التي تقام لأول مرة ضمن فعاليات الملتقى بهدف تعزيز الثقافة المجتمعية وتعميق الوعي بقيمة التراث العمراني من خلال الأدب والشعر، حيث تخاطب هذه الأمسية الشرائح ذات الاهتمام بالأدب والشعر والحفلات الشعبية لتعريفهم بالتراث العمراني من خلال شعراء لهم تأثير في الساحة الأدبيَّة والشعبية.
كما سيُدشن على هامش الملتقى عدد من المتاحف ومشروعات التراث العمراني في المدينة المنورة والعلا وينبع.