إعداد - وحدة التقارير والأبحاث الاقتصادية بـ«الجزيرة»:
دخلنا الأسبوع الثاني في الشهر الأخير من العام، ومن الأكيد سيتذكر الجميع الأداء الرائع والاستثنائي لـ «وول ستريت» ومؤشراتها الثلاثة الأهم والأكثر متابعة (الداو جونز، ستاندر اند بورز 500، والناسداك). وطبعاً انعكس هذا الأداء على المؤشرات الأوروبية التي سجلت أعلى مستوياتها في 5 سنوات، وكان نجمها بدون أي منازع مؤشر الداكس الألماني، الذي يمارس هوايته المفضلة في الفترة الأخيرة في تحطيم الأرقام القياسية، وكان قد سجل أعلى مستوى له على الإطلاق عند 9,425 نقطة في نهاية شهر نوفمبر. الداو جونز صعد بأكثر من 20 % منذ بداية السنة، بينما مؤشر ستاندر اند بورز 500 صعد بنحو 25 %، والناسداك مرتفع بنسبة 30 %. هذا يضاف إلى الأرقام المميزة التي تجاوزتها المؤشرات.. مثلاً الداو جونز 16 ألف نقطة، ستاندر اند بورز 1,800 نقطة، والناسداك 4 آلاف نقطة. هذه صورة الوضع في الوقت الحالي. التحليل الأساسي والتحليل الإخباري يطغيان هذه السنة بقوة على تحرك السوق أكثر من التحليل الفني، الذي فشل هذه المرة في تحديد الموجة الصاعدة الأخيرة، التي لم يتوقعها الكثير من المحللين الفنيين، وذلك بفضل ضخ الأموال في السوق من قِبل البنك الفيدرالي الأمريكي، بفضل برنامج التيسير الكمي وشرائه السندات، وأصبح بذلك اللاعب الأول في السوق. في الفترة الأخيرة، ومع وصول الأسهم إلى هذه المستويات، دائماً ما يتردد السؤال نفسه على مديري الصناديق وكبار المحللين، حول ما إذا تشكلت فقاعة أسهم؟ وأبرز من أجاب في الفترة الأخيرة عن هذه التساؤلات كانت جانيت ييلين التي تشغل حالياً ثاني أعلى منصب في البنك الفيدرالي الأمريكي، والتي ستحل محل رئيسه بن برنانكي عندما تنتهي فترة رئاسته في الحادي والثلاثين من يناير، حين صرحت بأنها لا ترى فقاعة تتحضر حالياً في سوق الأسهم. ورغم أن الأسواق فنياً حطمت الأرقام القياسية، لكن من ناحية التحليل السياسي، وخصوصاً مع مؤشر مكرر الربحية الذي بحسبة بسيطة هو قسمة السعر على ربحية السهم، ما زال يدعم الأسواق ويتنبأ لها بالمزيد. فمثلاً مؤشر ستاندر اند بورز 500، وهو المؤشر الأكثر متابعة، الذي يعطي صورة أشمل عما يحدث في السوق الأمريكي، يتداول عند مكرر 17 أرباحاً من السنة الماضية، وهي نسبة أكثر بقليل من المعدل التاريخي الذي هو عند 16 حسب بنك أوف أمريكا. وإذا ذهبنا أبعد من ذلك، فمثلاً أثناء فقاعة الإنترنت سنة 2000، كان المؤشر يداول عند تقريباً مكرر 30 أرباحاً. ويعتقد المحللون أنه سيكون هناك نمو في الأرباح أيضاً في السنة القادمة. وحسب اعتقادهم سيكون هناك مزيد من الارتفاعات في المرحلة المقبلة. ومن أبرز العوامل الخارجية التي تدعم السوق من وقت إلى آخر الأخبار الآتية من الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، التي تؤثر بقوة على حركة الأسواق؛ إذ أعلنت الصين التفاصيل لبرنامجها الإصلاحي للاقتصاد. ويهدف قادة الصين إلى العمل على اعتماد إصلاحات عدة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، لضمان نمو ثابت بعدما تضعضعت صورة الصين نسبياً في بعض الأرباع الأخيرة استدامة، وخصوصاً أن اقتصاد الصين كان قد تصدر الأخبار مع نموه القوي، ورفع معه اقتصاديات الدول الناشئة وبعض العملات، على رأسها الدولار الأسترالي. وتحاول الحكومة الصينية مع هذه الإصلاحات تقليص اعتمادها على الصادرات التي تعد بمنزلة بترول الصين، ومحاولة خلق طلب داخلي يكون داعماً، ويعتمد عليه، والتقليص من تعرض اقتصادها لوضع الاقتصاد العالمي، وخصوصاً إذا ما حصل وتأثرت الصادرات بشكل كبير لسبب ما. وتلعب البنوك الصينية دوراً كبيراً في البرنامج الإصلاحي، وخصوصاً من خلال مراقبة وتدقيق قوي فيما يخص تمويل الشركات، من أجل نشاطاتها، وتكون مبنية على تبادلات تجارية حقيقية. آخر الأخبار التي صدرت من الصين كانت عن الميزان التجاري، الذي تعيره الأسواق اهتماماً بالغاً، ويعتبر بين العلامات للطلب العالمي، فسجّل الميزان التجاري الصيني بشكل مفاجئ فائضاً كبيراً خلال شهر تشرين الثاني لم يتوقعه المحللون، وهو 33.80 مليار دولار، بعيداً عن الرقم المتوقع 21.20 مليار دولار، وهو أعلى فائض منذ 4 سنوات، بعدما شهد انتعاشاً كبيراً في أداء الصادرات، وبشكل خاص إلى الولايات المتحدة (أكبر اقتصاد في العالم)، التي ارتفعت بنسبة 17.7 % على المستوى السنوي. وتُعتبر هذه النتيجة هي الأعلى منذ أكثر من 19 شهراً. أما مع الاتحاد الأوروبي فقد ارتفعت النسبة بشكل أكبر عند 18.4 %، وهي الأعلى منذ عامين. ورغم الوضع الاقتصادي في منطقة اليورو، وفي آسيا بشكل خاص، كان هناك الارتفاع الملحوظ في الصادرات الصينية إلى كوريا الجنوبية. ولاقى أيضاً الميزان التجاري دعماً آخر من تراجع الواردات خلال شهر تشرين الثاني، التي سجلت 5.3 % بأقل من القراءة السابقة بنسبة 7.6 %، وخالفت التوقعات كلياً التي كانت تشير إلى تحقيق ارتفاع بنسبة 7.0 %؛اساعد أيضاً في تحقيق هذه النتيجة القوية في الميزان التجاري.