انغمست الأحزاب السياسية الفاعلة في إجراء مشاورات بالليل والنهار مع قواعدها أو مع القيادات الحزبية الأخرى، وفاجأ الباجي قائد السبسي رئيس الحكومة الانتقالية الأسبق رئيس ومؤسس حزب «حركة تونس» الرأي العام والطبقة السياسية على حد سواء، بطرحه مقترحاً جديداً بديلاً عن الحوار الوطني «من شأنه تجنيب البلاد السيناريوهات الخطيرة التي تتربص بها»، على حد قوله.
السبسي اقترح تشكيل مجلس أعلى للدولة، يملك النفوذ الكافية لتسيير البلاد، يضم أبرز الأسماء في الساحة السياسية على غرار الشيخ راشد الغنوشي والحسين العباسي رئيس اتحاد الشغل الذي يقود الرباعي الراعي للحوار ووداد بوشماوي رئيسة اتحاد الأعراف، إلى جانب الباجي قائد السبسي نفسه.
وأضاف بأن بلداناً كالجزائر جربت هذا النظام في فترة معينة، ونجحت فيه، مشيراً إلى أن هذا المقترح من شأنه تجنب الاصطدام بين رئيس المجلس التأسيسي ورئيس الجمهورية اللذين بإمكانهما وفقاً للتنظيم المؤقت للسلطات الانتقالية الاعتراض على أي قرار يصدر عن المشاركين للحوار الوطني.
رئيس حركة نداء تونس لم يتردد في الإقرار بفشل السلطة القائمة في إدارة شؤون البلاد بعد تجاوز المدة الزمنية لحكومة الترويكا حسب تعبيره، ملاحظاً أن الشعب انتخب مجلساً تأسيسياً، اختار حكومة الترويكا التي لم تفِ بالتزاماتها أمام ناخبيها بإنجاز دستور جديد في ظرف عام، ومجدداً تأكيده أن كامل المنظومة المنبثقة من انتخابات 23 أكتوبر 2011 قد فشلت؛ إذ أضحى المجلس التأسيسي أعلى قوة بالبلاد جزءاً من المشكلة.
وفي سياق متصل، يتابع المحللون السياسيون بكثير من الحذر الحروب الداخلية للأحزاب المشاركة في الحوار، أو التي تضعها وجهاً لوجه مع أحزاب أخرى أقل وزناً وشعبية، لكن جعجعتها وضجيجها أقوى من أي حزب آخر، ففيما سخرت القوى الفاعلة مجهوداتها من أجل تقريب وجهات النظر بينها وبين أعداء الأمس حلفاء اليوم. وارتأت بعض الأحزاب الصغيرة أن تعد العدة لحملة غضب واحتجاجات شعبية واسعة النطاق استعداداً لإحياء التونسيين الذكرى الثالثة لقيام ثورة الرابع عشر من يناير 2011. وتشير المصادر المطلعة إلى أن تجييش الفئات المهمشة والمعطلة عن العمل والمحرومة من التنمية إلى جانب الشباب الذي قاد الثورة ولم ير تنفيذاً لأهدافها بعد ثلاث سنوات من قيامها قد بلغ ذروته؛ إذ يكفي إطلاق الشرارة الأولى في أي جهة كانت لتعم الفوضى والمسيرات كامل محافظات البلاد طيلة الأيام القليلة القادمة.
فالقاسم المشترك بين الغاضبين من الأداء الهزيل لحكومة الترويكا من خارج الطبقة السياسية هو خيبة أمل الطبقة الضعيفة في مقدرة حكومة النهضة على تحقيق المطالب الرئيسية العاجلة التي قامت من أجلها الثورة، واستشهد في سبيلها مئات الشباب التونسي.
إلا أن الترويكا الحالمة لا تزال تنظر إلى الأوضاع المتردية من نافذة وردية، وتعتبر الحراك الشعبي حقاً لكل التونسيين متفادية الدخول في مواجهات مباشرة مع الجبهة الشعبية المعارضة المتطرفة، التي يعرف القاصي والداني أن اختصاصها الرئيسي هو تجييش الشارع ضد السلطة القائمة دون تقديم بديل عنها في حال إسقاطها.