قد لا يختلف سواد الناس على أن من أبرز استحقاقات بني البشر النفسية والعاطفية والتحفيزية تتولد من خلال تأصيل التشريع الأخلاقي والأدبي لمفردات ومعطيات التكريم والوفاء، فما أجمل أن نجد أنفسنا وفي لحظة من اللحظات ونحن نقول لكل من خدم وعمل وأنجز لقد أحسنت صنعاً وتميّزت أداءً، وفي هذا السياق يأتي الحفل السنوي لإدارة التربية والتعليم بمحافظة عنيزة بعنوان الوفاء لأهل العطاء) والذي قامت «الجزيرة» بتغطيته في حينه، ولقد حظيت بأن أكون مدعوا ومتواجداً عندما تم تجسيد هذا العنوان الكبير بصيغته ودلالته على صعيد الواقع المحسوس وبمنتهى الإبداع والتميز إعدادا وتنفيذا، بمناسبة الاحتفاء السنوي المعتاد لتلك الإدارة في مساء الاثنين 29 محرم 1435هـ. ومن منطلق التراكم المعرفي مهنيا واحترافيا لدى القائمين على هذه الاحتفالية لم نجد وبكافة مفاصل الفعاليات اجتراراً مملاً للحدث أو استنساخاً مكرراً لما تم اختزاله في ذاكرتنا المجتمعية في أطر تنبؤاتنا لمثل هذه المناسبات، بل هذه الأمسية الجميلة تجاوزت تلك النمطية الموروثة بمسافات متقدمة جدا لتقفز وبكل توازن وثقة لتلامس أقصى مراحل تطلعاتنا وتوقعاتنا، من خلال هذا الحس الراقي من الوفاء وبنكهته الحقيقية الصادقة.
ومن هنا يأتي إيقاع جملة الوفاء لأهل العطاء ترجمة صادقة للرؤى الإبداعية لرجالات تعليم عنيزة، وتبعا لذلك تم توسيع دائرة الوفاء لتشمل أكثر من شريحة وظيفية ساهمت في البناء والعطاء والأداء، وبالتالي فهذا المحفل لم يكن حصرياً للمتقاعدين والمتقاعدات، بل تجاوز ذلك ليصل إلى ما هو أقرب إلى العمق الإنساني ليتحول وبجزء منه لمشهد درامي مؤثر، حيث لا تملك معه إلا محاولة حبس أنفاسك وإجهاض دموع عينيك وأنت تسمع مذيع الحفل يعلن تكريم من انتقلوا إلى رحمة الله أثناء تلك الحقبة الزمنية من منسوبي ومنسوبات الإدارة، لا سيما وأنت ترى أبناءهم أطفالا وكبارا وهم يتقدمون لاستلام مادة التكريم من يدي راعي الحفل.
وعلى جانب آخر وبلمسة متحضرة ومثمرة جدا وجدنا وضمن الفعاليات تكريم قائد المركبة المميز من العاملين في قطاع التربية والتعليم بالتنسيق مع المرور والذي تولد عن برنامج «الحد من الحوادث المرورية» ولعلنا جميعا ندرك مدى دلالة وأهمية هذا التوجه في معترك الهم المروري وسلامة الفرد والمجتمع.
ومما يستحق الوقوف عنده أيضا هو استشعار الإدارة لمدى أهمية التحفيز الوظيفي، عبر تلبية أهم احتياج بشري بحيث يضمن لمن أفاد وأجاد نوعا من الشكر والثناء، ورأينا ذلك في أجمل صورة من واقع تكريم العشرات من الموظفين المتميزين، إضافة إلى تحديد خمسة أسماء تم اختيارهم بموجب معايير محددة ليصبحوا بمثابة نخبة تلك المجموعة المتميزة ولتتويج تلك الجماليات أتى تكريم المتقاعدين والمتقاعدات من منسوبي الإدارة في تلك الليلة الجميلة كوفاء لرجال ونساء قضوا أعمارهم الوظيفية في خدمة التعليم وبناء الأجيال ورقي الأمة، وهذا أقل ما يمكن عمله ونحن نتعامل مع من ترجل عن العمل الوظيفي بعد التصاقه بدائرة عمله لسنوات وسنوات، بحيث وعندما تحين ساعة الرحيل فيفترض أن يعامل بإنسانيته ومشاعره وليس بتصنيفه كقطعة أثاث مستهلك كما يحصل وللأسف الشديد في بعض المرافق.
وأخيراً لا يسع كل من يملك قدرا من الإنصاف إلا أن يشيد وبثمن رعاية محافظة عنيزة فهد حمد السليم والذي أجاد وأبدع في اختيار جمل ومفردات المواساة والشكر والثناء للمكرمين، وكذلك الإشادة تتصل لتصل إلى مدير إدارة التربية والتعليم الأستاذ يوسف عبد الله الرميح والذي قاد نجاحات تلك الاحتفالية وبكل اقتدار، والإشادة أيضا تأبى الا أن تشمل نجمي الحفل مدير العلاقات العامة سلطان عطاالله القرة ونائب مدير العلاقات العامة عبد العزيز محمد الخشيبان فهما وبمساندة من زملائهم أخرجوا لنا احتفالية تجبرك على الوقوف أمامها إجلالاً وإكباراً، وفي نهاية المطاف وعلى ضوء هذا الاستعراض قد يتفق معي الكثير بأن هناك أكثر من محفز وسبب لعنيزة كحاضنة ولوزارة التربية والتعليم كمرجعية أن يفخرا بهذا الفكر والنهج والتنوع على أصعدة الوفاء من قبل إدارة التربية والتعليم بمحافظة عنيزة.