هي - فاتنة قبل أن تكون فنانة في كل شيء، الرسم “الكتابة” الرقص “الكلام ‘الدفء والحنان ‘النظرات. وهو - غامض يجيد المراوغة ابتداء من هدوئه الجم وانتهاء بنظراته المسروقة لطاولة الفتيات المجاورة لطاولتهم!
كانا اثنين لا ثالث لهما، منظر مهيب يلف جسدها المتجمد بهدوء غريب وكأن أحداً حشرها في زاوية بعيدة ليسرق منها قبلة طويلة، يحدثها قلبها بأنها ليست تلك الفراشة البريئة التي تسعى خلف فتات النور, وقد تسربلت بمخمل أسود شديد السمّية ثم تركت دفة الأمور لعينيها!, اللون، الجو، حتى دخان التبغ الذي ينفثه بشراهة كان يعبئ رئتيها خدراً, تحاول هي إضفاء بعض الهيبة على صوتها المغناج حتى يبدو جديراً بالتقدير والاحترام, لكن صوته كان كفيلا بهز وإرباك جدران القلب حتى تخر كلوح كريستالي مهشم أم أي هيبة قال لها: لم لا تنظرين في عيني، أريدك أن تطيلي النظر وتقرئين كل ما جال في صدري, ما سر الانجذاب غير العادي إلى عينيك؟ ومن أين لك هذا أيتها المشعوذة الصغيرة؟ لم تسخرين من قوتي وتتثنين أمامي تدوسين كل صلب في جسدي بقدميك الحافيتين، هيا فلترفعي رمشك الخادر وتغزين الخطى لقلبي بجيشك الأحمر, يتحدث لساني ولا ادري ماهي المفردات التي يتلوها عليك, هل أمارس ساديتي المعهودة وأطوق خصرك بذراعي؟ يا تُرى هل ستغوص شفتا البحار المغمسة بمرارة الحرمان في مسحوق السكر؟! وفي لحظة خدر وضع يده ممسكاً بمعصمها النحيل تلك اللحظة كانت كلوحة فنية مؤلمة صورها الخالق بعظيم صنعه ونفخ فيها من روحه، دموع في عينيها وجيش ثار وانهزم! عفواً ربما أكون انفعلت اعذريني. أعتذر منها ولا تزال يدي مطبقة على معصمها الذي بات يحتضر ببرود بين فكي قبضتي، حتى سمعت زفرة خفيفة من صدرها انطلقت لتحذرني: (اترك يدي يا أستاذي أريد أن ارسم!!!) عندها استفقت على نبرتها المخنوقة وسحبت يدي بسرعة أضمها بين رجليّ تارة وألثمها تارة وأنا أتوق لأن تختلط رائحتها بشاربي متظاهراً بالتركيز في حركات يديها وهي تشخبط على (الإسكتش), وذلك الصوت المغناج يجلدني بلا رحمة.
نصف ساعة مرت تمنعت هي من ارتشاف شيء عدا الماء اختلسته سرا ولا أدري لماذا ربما لتستمر في جلدي، وأنا البحار المذنب الذي عقد العزم على اكتشاف جزيرته المفقودة، وقتي سار في حضرتها ما بين دوار أصاب عقلي وخدر تملك أطرافي حتى مقاعد المخمل الوثيرة تحتي باتت تخزني كالأشواك.
أنهت عملها بسرعة وأخذت ملاحظاتي في الحسبان مع طرح القليل من الأسئلة المقتضبة التي لم تتعد مجال العمل، كوب الشاي الذي طلبته متظاهراً بالتركيز تركته على الطاولة تسري النسمات على صفحته حتى بات جليدا يحاكي خيبة أملي، ثم غادرت خلفها وأنا رجل الخسارات الكبيرة.