بداية وأنا ألقي الضوء على ما نشر في «الجزيرة» حول قضية تلميذ مدرسة الهيجة، وتصويره من قِبل معلمه وهو يذرف الدموع، في مشهد استجداء وتوسُّل يتوجه به نحو معلمه للرفق به، مع وعود بريئة بطهر ونقاء نفسه الصغيرة؛ على أن يجتهد في دروسه، يجب (ألا تجعلنا) هذه الصورة المؤلمة نعمم، ونقول إنها تمثل شريحة المعلمين بمدارسنا، فلدينا صور وقصص وحكايات إيجابية للعلاقة بين المعلمين وطلابهم أتمنى إبرازها والتركيز عليها مثلما يتم التركيز على الصور السلبية، لما هي تعكس حميمة التواصل الإنساني والأبوي والتربوي بين الطرفين، ولما تحويه من قائمة عظيمة من أعمال الخير والبر والشفقة، التي يؤديها معلمون لطلابهم وأسرهم؛ خاصة حينما يستشعرون أنّ هناك ظروفاً قاهرة، تسكن حياة طلابهم، لكن يجب ألا ننكر بأنه عادة القضايا في الميدان التربوي التي تحمل جانباً سلبياً، يكون لها صدى، وتكون مؤثرة في مشاعر الناس، لأن المجتمع يعد (خطأ المعلم ليس كأي خطأ آخر)، بحكم أنه يتعامل مع إنسان هو مزيج من المشاعر والأحاسيس والعواطف، فالطالب ليس جسداً - فقط - خالياً من المشاعر التي تشكل شخصيته، ولا هو جماد أو آلة لا يحس، ولنتأمل قول أحمد شوقي حين قال:
«وإذا المعلم ساء لحظ بصيرة
جاءت على يده البصائر حولا»
أنا لست هنا بصدد إعادة وتكرار سلبيات عقاب الطالب البدني والنفسي ، فآثاره سلبية على شخصيته، ويكفي أن أقول كل طالب معاقب بأي شكل من أشكال العقاب فهو يفقد شيئاً من شخصيته إلى حد التدمير ، ويتحول إلى شخص ناقم على التعليم والعلم والمعلم والمجتمع، وهذه نتيجة كارثية أليس كذلك ؟ لكني أود الوقوف أمام نقاط فتحتها القضية .. (النقطة الأولى) ينبغي الاستمرار في «تطوير المعلمين» وعدم النظر إلى أنهم وصلوا إلى محطة لم يعدوا فيها بحاجة إلى التدريب والتطوير «وتبقى المعرفة ضالة المعلم أنى وجدها فهو محتاج إليها « .. (النقطة الثانية) ينبغي ألا يكون هناك شيء اسمه موضوعات مستهلكة في برامج التدريب في ميدان التعليم، فالمعلم بحاجة إلى برامج الاتصال الفعال، وبحاجة لبرامج التقويم والقياس إلى خصائص نمو كل مرحلة تعليمية، وإلى الأساليب التربوية البديلة، وإلى إستراتجيات التدريس، على أن تجدول كل عام، ويترك له حرية اختيار الالتحاق بالبرنامج الذي يرى حاجته إليه .. (النقطة الثالثة) مهنة التعليم، هي رسالة أولاً يجب أن يخضع لمن يريد الالتحاق بها لمعاييرها، ويتحمل ضغوطها، ويفي باحتياجاتها، ويشعر بأنه قد بدأ عملية البناء والإنتاج، فلا تذمر من أتعابها، ولا كراهية لمتطلباتها، ما أريد قوله أنّا لم نعد بحاجة إلى القبول التلقائي لكل من يريد العمل معلماً، كما يجب النظر إلى تفعيل ملف إنجاز المعلم، لمعرفة ماذا قدم ؟ وماذا أنجز؟ والتفكير في آلية للتقويم المرحلي لمعرفة مدى تطور أدائه، أو انحدار مستواه .. (النقطة الرابعة) والأخيرة يجب العناية باختيار من يقوم على تدريس المرحلة الابتدائية بشكل عام، ومرحلة الصفوف الأولية بشكل خاص ، فلا يكون الأمر مجرّد تعبئة جدول، أو التخلص من عبء نصاب مواد ، فهذه المرحلة بحاجة إلى نوعية من المعلمين، تكون لديهم سمات الصبر، الحنو، الأبوّة، المهارات التدريسية التي تقوم على أساليب الترفيه، اللعب، والأنشطة الحركية.
لا أريد أن أطيل أكثر، لكني أحب أن أختم بأنّ (البيئة الآمنة، المحببة، المشوقة والمريحة، المحفّزة، التي تحفظ للمتعلم حقه من التقدير والحوار والاحترام، هي البيئة التي يمكن من خلالها أن يتعلم الطالب ويبدع ويحقق طموحاته).