الجزيرة - وحدة التقارير والأبحاث الاقتصادية بـ(الجزيرة):
يُعتبر تصحيح وضع المحال التجارية ثالث عملية تصحيح كبرى تنطلق بالسوق المحلي؛ فقد سبقها تصحيح سوق الأسهم، وتصحيح سوق العمل. هذا التصحيح الأخير يؤثر في نحو 332 ألف محل مرخص، تعمل في أنشطة ومهن مختلفة ومتنوعة بالمملكة. وإذا افترضنا أن كل محل يمتلكه ويعمل فيه (5) أفراد في المتوسط فإن تصحيح وضع المحال سيؤثر في وظائف ما يزيد على (1.5) مليون عامل، إلا أن هذه العمالة غالبيتها من الوافدين، وتعتبر أوقات فتح وإغلاق هذه المحال من أكثر العناصر التي تقف حجر عثرة أمام توطين هذه الوظائف بشكل كبير.
مؤخراً صدرت تصريحات شبه رسمية مهمة، تفيد بقرب صدور قرار إغلاق المحال التجارية في التاسعة مساء. وقد أثار هذا القرار ما لم يُثره قرار آخر، نظراً لأنه يرتبط بشكل أو بآخر بعموم الناس، سواء مستهلكين أو منتجين، عاملين أو أصحاب أعمال، مهنيين أو غير مهنيين.. فمَن منا لا يحتاج إلى خدمات المحال التجارية، حتى وإن كان الفرد لا يقوم بالشراء بنفسه، فهو في حاجة لقطاع المحال، لشراء الدواء أو للحصول على وجبة طعام، أو حتى للترفيه، أو للتنفس والاستجمام.. الجميع يحتاج لخدمات المحال بأشكالها وأنواعها كافة.
لذلك، فقد نال هذا القرار المتوقع الكثير من الجدل والنقاش، حتى فتح أبواباً واسعة للتكهنات حول جدوى توحيد مواعيد عمل المحال.
جدير بالذكر أن موعد فتح المحال لا يثير أي جدل؛ لأن الفتح ما بعد السادسة أو السابعة صباحاً أمرٌ مقبول، ولا يثير أي نقاش؛ لأن وقت الصباح دائماً ليس محل نظر من الجميع؛ فالكل ذاهب لعمله، أو يوشك أن يبدأ نشاطه. أما مثار الجدل فهو وقت الإغلاق، الذي يحدد نهاية موعد حصول الأفراد على الخدمات من هذه المحال، بل بالأحرى وضع نهاية لقائمة النشاط بالمجتمع المحلي. غلق المحال باكراً ليس فكرة جديدة سيتم تطبيقها على المجتمع السعودي، وإنما هي فكرة تطبَّق في معظم دول العالم، خاصة الدول المتقدمة، التي تضع كل منها موعداً لإغلاق مناسب حسب طبيعة المستهلكين فيها.. فمن زيارات للعديد من الدول الأوروبية كان من الملاحظ أن وقت إغلاق غالبية المحال للأيام العادية من الاثنين إلى الجمعة يتراوح بين 6.00 إلى 9.00 مساء كحد أقصى، وكانت كل المحال التي تغلق بعد هذا الموعد تدخل في نطاق تنظيمات خاصة أو استثناءات. وبالطبع، توجد شريحة مهمة ينظر إلى رغباتها، وهي شريحة العاملين بهذه المحال، فضلاً عن أن نشاط هذه المحال يحدد دورة النشاط والعمل بالمجتمع، فطالما هي محال مفتوحة فإن خدمات الكهرباء والمياه والمرور كافة تكون في أوج حالات استخداماتها.. وعند الغلق تنال هذه الخدمات قسطاً من الراحة، ويمكن صيانتها وتحسين جودتها؛ لذلك فغلق المحال ليس مجرد غلق دكاكين، لكنه يمثل وقتاً للتخفيف من حدة الضغوط على مرافق البنية التحتية بالمجتمع، التي من أهمها الكهرباء والطرق والاتصالات والمرور.
ولكن قرار الغلق أيضاً هو قرار مصيري عندما يطبق بأسلوب التوحيد، فتوحيد موعد إغلاق المحال كافة بأشكالها كافة، من محال مواد غذائية ومفروشات وأثاث وسباكة وكهرباء ومطاعم وصيدليات وملاعب ومقاهٍ وعيادات ومتاجر (كبرى وصغرى) واتصالات ومرافق خدمات أطفال وملاهٍ وغيرها، يعني إيقاف حركة النشاط تماماً بالمجتمع.. وبالتالي فإنه يعني لا حركة ولا خروج للشارع. هنا يقع موطن التضييق؛ إذ إن الأنشطة والمهن كافة تنتهي معاً، فيجد أصحابها أنهم بمجرد أن ينهوا عملهم الإنتاجي أو المهني أو أصحاب المحال أنفسهم فهم لا يجدون أي خدمات بالشارع، بل يجدون أنفسهم مضطرين للخروج من دوامهم إلى المنزل فوراً، فلا يستطيعون أداء أي مهمة أو القيام بأي نشاط للتسوق، أو للعشاء أو الترفيه، أو غيرها.
فالقرار المنتظر لإقرار إغلاق المحال في التاسعة هو قرار جيد، ومناسب لتحفيز المواطنين للعمل في هذه المحال؛ فالمحال وحدها كافية لاستيعاب نسبة مهمة من بطالة الشباب والشابات من السعوديين والسعوديات حالياً، وبسهولة، وفوراً؛ لأن غلقها في التاسعة معناه تنظيم أوقات عملها، التي تمثل أهم العناصر التي تقيد عمل السعوديين فيها.. إلا أن هذا القرار نفسه يقيد قدرة أطراف أخرى ومهمة في المعادلة في الحصول على الخدمات التي تقدمها هذه المحال بشكل جيد، وهي العاملون في هذه المحال أنفسهم، والعاملون والمهنيون كافة الذين ينهون أنشطتهم في الوقت نفسه (في الساعة التاسعة أو بعد التاسعة)، وعلى رأسهم العاملون بالقطاع الصحي والقطاعات المهنية (مثل المحاماة والاستشارات والاستقدام والمحاسبة) وشركات السيارات، والكثير من شركات القطاع الخاص التي ينتهي دوامها في وقت متأخر، هؤلاء جميعاً ينهون دوامهم في أوقات مع أو بعد الساعة التاسعة تقريباً.. كيف سيحصل هؤلاء على خدمات هذه المحال؟ قرار التاسعة هو قرار جيد ومقبول، ويأتي في ساعة متأخرة مقارنة بدول أخرى، مثل غالبية الدول الأوروبية التي تغلق محالها في ساعات مبكرة عن الساعة التاسعة، ولكن أنظمتها تستخدم أساليب ذكية في وضع استثناءات تلبي رغبات الأطراف المتضررة، مثل الصيدليات تعمل 24 ساعة، المقاهي لها تنظيم مختلف؛ إذ تعمل كثير منها لساعات متأخرة من الليل، أيضاً التموينات، كما توجد محال أو هايبرات كبرى تعمل لساعات متأخرة. إذن، أنظمة الدول الأخرى تطبق بعضها إغلاقات مبكرة، منها عند الساعة السابعة مساء، لكنها تضع استثناءات مناسبة لتتلافى أوجه التضييق على فئات أو شرائح معينة بالمجتمع.
أيضاً، فإن كثيراً من الدلائل تشير إلى أن تصحيح إغلاق المحال سيزيد من فرص تأنيث المحال؛ لأن غلقها بشكل باكر سيزيد من قبول عمل السعوديات وأسرهن فيها؛ وبالتالي سيسهل توطينها.