في الزمن الذي تحار فيه العقول إذ تتسابق الفتن إليها زرافات ووحدانا، ينهار الفرد المسلم وتخور قواه لاسيما عندما يرى أن عماد الأخوة الذي يشكل له عزيمة وقوة وسنداً ومعيناً تبددت قواه وتشتت مذاهبه وتفرق شمله.
فهل نتوقف أمام هذه الأزمة أم نستسلم أم نغير مبادئنا وقيمنا لتتأقلم مع التيار الجارف ولربما لجأ بعضنا إلى أحاديث الانعزال وترك الناس.
في نظرة سريعة لمسيرة أمة الإسلام نلاحظ أن نفس الأزمات التي نمر بها اليوم مرت بمن سبقونا اللهم مع اختلاف الزمان والأدوات ربما كانت في بعض أزمنتها ووقائعها أشد ضراوة وأعمق جرحاً، يلحظ المراقب تركيز علماء المسلمين ودعاتهم على الاهتمام بالفرد المسلم وإصلاحه وتزكيته عن قرب.
أو ما نسميه في مصطلحنا المعاصر بالدعوة الفردية وهو أن يقوم الداعي أو العالم أو المربي بالجلوس إلى آحاد الناس ودعوته إلى الله وترغيبه في طريق الاستقامة بأن يضع برنامجاً عملياً له ومتابعته والتواصل معه وإعانته على نفسه حتى يقوى إيمانه ويتخطى شهوته ودعم أقرانه ويعينه على أعباء الطريق الجديد والمرحلة المقبلة.. هكذا حتى يبدأ في طلب العلم وحفظ القرآن وينتقل لمرحلة الاستقامة ويسترسل في الخير وينعتق من رق شهوته. مهما كان تخصصه.
ألا ما أحوج الأمة ذكوراً وإناثاً لهذا النوع من الدعوة والتربية على سلوك الطريق المستقيم، وقد ألف الشيخ المربي الدكتور عبدالرحمن المحمود رسالة صغيرة تحت عنوان الدعوة الفردية ذكر فيها أهمية هذا النوع من الدعوة وحاجتنا إليه وأسس وأصول هذا الفن من الدعوة، إنني عندما نظرت في نفسي وأغلب الدعاة والعلماء والصلحاء من حولي خاصة وجدتهم كانوا نتاج دعوة فردية من الأقربين أو الأبعدين لقد افتقد الشباب التائه هذا الخير في ظل الشهوة الإعلامية التي حرمت الشباب خير الصلحاء واقتصار التواصل عبر الفيس بوك والتويتر.
إني أدعو نفسي وأهل دربي من العلماء والدعاة وطلبة العلم إلى العودة بقوة إلى هذا النوع من الدعوة وسلوكه مع الأقربين ابتداءً ثم النزول لميدان الناس، فالداعية مكانه في الميدان حيث الناس التائهين والجاهلين والغرقى والمنحرفين ولا أقلل من الحضور الإعلامي لكني أرى زمن الدعوة الفردية قد حان فلنتنادى إلى هذا الميدان المبارك والأرض الخصبة ولدينا حافز كبير ودعم لا مثيل له من خير خلق الله الذي قال (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).
أحبتي المباركين: الدعوة الفردية هي خارطة طريق للعاصي حتى يصل إلى بر الأمان هي منهج متواصل ودورة مكثفة قد تكون ساعة وقد تمتد لسنوات لكن نتائجها مضمونة وعظيمة الأثر.
أما المواعظ العابرة فهي أشبه بالسياط سرعان ما يزول أثرها كما قال ذلك ابن القيم رحمة الله.