قرأت التحقيق الذي كتبه موقع الحقيقة عن كتاب «المثقفون المزيفون.. الانتصار الإعلامي لخبراء الكذب والتضليل»، للكاتب، والأكاديمي الفرنسي، باسكال بونيفاس، رئيس «معهد العلاقات الدولية، والاستراتيجية في باريس، وهو تقرير يستحق التوقف عنده، بل وقراءته عدة مرات، لأنه يحكي عن واقع حقيقي لمثقفين تخلوا عن دورهم النزيه في توعية الشعوب، ونشر القيم الحقيقية للحرية، والعدالة، والديمقراطية حول العالم، وأصبحوا يروجون لسياسات بعينها، تخدم مصالح القوى الكبرى، أي أنهم أقرب إلى العملاء، والجواسيس منهم إلى أهل الفكر، والثقافة، وليس عنا ببعيد ما فعلته قوى المحافظين الجدد، والتي استغلت الضحالة الفكرية للرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، ومضت في تطبيق أحلامها على أرض الواقع، والمحافظون الجدد بزعامة نائب الرئيس الأمريكي السابق، ديك تشيني، ودونالد رومسفيلد، وزير الدفاع حينها، ومعهم الثعلب الماكر، بول وولفوتز، وأمير الظلام، ريتشارد بيرل، كانوا يحاولون تطبيق نظرية المفكر الذائع الصيت، الأمريكي من أصل ألماني، ليو شتراوس، والتي تؤكد أن الشعوب هم مجموعة من الرعاع، وهناك قلة قليلة تملك الفكر!!، ولذا يجب أن تتولى هذه القلة تسيير الرعاع حسب ما ترى أنه يحقق مصالح الجميع!!، والغريب أن المحافظين الجدد لا زالوا يؤمنون بهذه النظرية العتيدة!.
وفي ذات السياق نعلم أنه لا يوجد إعلام محايد، فقد ولى زمن الإعلام الذي يزلزل العروش إلى غير رجعه، وهنا أتحدث عن الإعلام الأمريكي أيام الحرب العالمية الثانية، وحرب كوريا، وحرب فيتنام، وهو ذات الإعلام الذي طرد الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون من البيت الأبيض، في قضية ووتر قيت، والتي فجرها الصحفي الكبير بوب ودوورد، وأتحدث هنا، أيضاً عن البي بي سي في سنواتها الخالية، وعن الليموند الفرنسية، وعن كثير من وسائل الإعلام التي كانت تزرع الرعب في قلوب الجميع، وقد كانت حرب الخليج الثانية هي الفيصل الذي تحول أثناءه إعلام العالم الحر، في أمريكا تحديداً، إلى ما يشبه مكاتب العلاقات العامة، وليست قصة الإعلامي الشهير، ومذيع قناة سي بي اس، دون راذرز عنا ببعيد، فمع أنه يعتبر واحداً من ألمع الإعلاميين الأمريكيين، إلا أنه تمت التضحية به، وعزله، وهو في أوج قوته، وعطائه، وذلك لأنه تجرأ، وانتقد إدارة جورج بوش الابن، وهناك غيره كثير لم يسمع عنهم أحد، فقدوا أعمالهم بسبب مواقفهم العادلة، أي أنهم رفضوا أن يكونوا رماحاً يطعن بها السياسيون خصومهم، وأدوات ينفذوا من خلالها مخططاتهم، فالإيمان بالمبدأ سهل، ولكن الثبات عليه لا يقدر عليه إلا العتاة، والذين آثروا قول الحقيقة على أن يكونوا نجوماً من وهم، وسنتحدث عن هؤلاء في مقال مستقل.