ما زلت عند الفكرة التي تفرض نفسها علينا أن ملف المياه في المملكة هو الملف الأكثر خطورة والأشد أهمية. القضية ليست في احتياجاتنا الضرورية للمياه وفقط, بل إن الأمر يتعدى ذلك الى أن ملف المياه هو الملف العالمي الذي يحرك الأحداث أو سيحركها من حولنا. كل الدراسات الاستشرافية تخبرنا أن صراعات العالم القادمة لن تكون سياسية أو اقتصادية أو حتى عقائدية، بل هي صراع الماء والغذاء. فهذان الملفان سيقرران مستقبلاً سياسة كل دولة وأولوياتها. العالم إن صح التعبير يجف من حولنا, ونحن أصلاً نعيش على أرض تتميز بشح المياه فيها.
علينا كشعب أن نقوم بمراجعة ذاتية لأنفسنا فيما يتعلق بملف المياه, وأن ننتقل من فكرة طالب الخدمة الى فكرة الشركاء في المحافظة على أساس هذه الخدمة. حين أتابع ما يُنشر هنا وهناك من انتقادات وتجريح في آلية عمل شركة المياه الوطنية، واجد بينها لغة التخندق، كأننا نتعامل مع شركة استثمارية أجنبية أتت لتستولي على مخزوننا من المياه الضخم، ونطالبها بتوفير كل شيء مرة واحدة, هذه الشركة هي شركة وطنية أُسست وأُنشئت وسُلمت قيادتها لإدارة سعودية بحتة، تعمل بحس الوطنية، مستشعرة خطورة الملف. هؤلاء ليسوا بائعي الماء، بل هم الحافظون عليه القيمون على دوامه.
حين أتابع تصريحات الدكتور لؤي المسلم الرئيس التنفيذي للشركة وهو يطلق عبارة الأمن المائي لا أعلم لماذا يهتز البدن لخطورة هذا الأمن بحد ذاته. حين أتابع المعلومات التي تؤكد أننا اليوم في المملكة زدنا من الفترة الزمنية لمخزوننا من المياه، إذ كان سابقاً لا يكفي لأكثر من يوم واحد, اليوم إدارة شركة المياه يتعاملون بنظرية الأمن المائي، وهذا ما يعطيني أماناً وثقة أن الحكومة تعي جيداً خطورة الموقف، لهذا اختارت شخصية كالدكتور المسلم وفريق إدارته لتولي هذا الملف الأمني الخطير.
قرأت أخيراً أحدهم يقول إنه شاهد ماسورة مياه انفجرت ولمدة أربع ساعات لم يأت أحد لإصلاحها, وغادر المكان دون إصلاح! ما نتمناه أن نصل الى مجتمع حين يواجه فيه الفرد قضية ماسورة منفجرة أن يباشر بنفسه الى صيانتها والعمل على إيقاف نزيف المياه, أن ننتقل الى المشاركة الحقيقية في تحمل المسؤولية. تمنيت لو أن من انتقد الماسورة المنفجرة أنه لم يغادر المكان إلا بعد أن أحضر صيانة على حسابه الشخصي وأوقف النزيف, حينها فقط سنطمئن على أن المجتمع وصل الى مستوى الوعي الحقيقي لخطورة ملف المياه.
شركة المياه الوطنية مسؤولية وطن ككل, لا يوجد عمل كامل، فالكمال لله وحده، ولكن لنشد على أيادي إدارة الشركة ونشعرهم كم نقدر لهم جهودهم ونساندهم لتأدية واجبهم. لنكن كلنا يداً واحدة، ولننتهي من سياسة جلد الذات واغتيال الشخصيات وتصفية الحسابات.