كنت في زيارة لدولة البوسنة والهرسك في الأيام الماضية، وسمعت خلال الزيارة عن مركز الملك فهد الثقافي هناك. كنت أعتقد أن هذا المركز عبارة عن مسجد ومكتبة كما هي حال كثير من المراكز، ذهبت وصليت في المسجد المجاور للمركز، وبعد الصلاة شعرت أن الحركة في المركز غير عادية، لذا قررت الولوج إليه، قابلت مدير الشؤون الإدارية والمالية في المركز الأستاذ/ حمد بن ناصر الهويسين الذي رحب بي وأخذني في جولة شاملة على المركز، واتضح أن مدير المركز الدكتور/ خالد بن عبدالعزيز الدامغ في زيارة للمملكة مع وفد من مديري الجامعات من دولة البوسنة والهرسك لتقديم الدكتوراه الفخرية لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع حفظه الله؛ تعبيراً وتقديراً لما قدمه سموه والمملكة شعباً وحكومة لدولة وشعب البوسنة والهرسك أثناء حربهم لتحرير بلادهم ونيل استقلالها.
اتضح لي أن المركز أنشئ تلبية لرغبة الرئيس البوسني الراحل/ علي عزت بوجوفيتش رحمه الله لتقوية أواصر العلاقات بين البلدين والشعبين، وليساعد في نشر اللغة العربية في هذه البلاد، وأن صاحب السمو الملكي الأمير/ سلمان بن عبدالعزيز أمد الله في عمره هو الذي وضع حجر الأساس لهذا المركز وللجامع المجاور له والذي يتسع لأكثر من خمسة آلاف مصل وذلك بتاريخ 25-12-1417هـ ومن ثم افتتحه سموه بتاريخ 17-6-1421هـ.
والمركز يضم مكتبة عامة، وقاعة محاضرات مهيأة بكل الوسائل اللازمة، وصالة رياضية متعددة الاستعمالات لأغراض التواصل الاجتماعي والثقافي، وصالات استقبال، وفصولاً دراسية مجهزة بأحدث الوسائل التعليمية الحديثة وأقساماً أخرى.
وكان المركز والجامع تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد إلى أن صدر توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله وأمد في عمره بتشكيل مجلس أمناء للمركز يرأسه معالي وزير التعليم العالي الأستاذ الدكتور/ خالد بن محمد العنقري وعضوية عدد من الشخصيات البارزة والمرموقة من المملكة والبوسنة والهرسك، وتضمن التوجيه الكريم دعم المركز لكل ما تحتاجه من إمكانيات، وللمركز فرع في مدينة موستار بالبوسنة والهرسك، وبقى الجامع تحت إشراف الشؤون الإسلامية.
ما دعاني إلى كتابة هذه السطور هو ما لاحظته عن اختلاف نشاط المركز عن المراكز الأخرى حسب علمي، حيث يقوم المركز برعاية الترجمة والتأليف والنشر من اللغة العربية إلى اللغة البوسنية وبالعكس، لما في ذلك من نشر للثقافة بين البلدين والشعبين، كما يقوم برعاية الصوالين واللقاءات الثقافية والمحاضرات والندوات، والمشاركة في النشاطات والمناسبات الوطنية والمهرجانات العلمية والثقافية، ويرعى الزيارات العلمية، والأيام الثقافية المتبادلة بين مؤسسات وجامعات البلدين، ومن النشاطات التي شدتني في المركز فتحه فصولاً خاصة لتعليم البوسنيين الصغار والكبار والرجال والنساء اللغة العربية، واللغة الإنجليزية، والحاسب الآلي، وتطوير الذات والمهارات الإدارية والحياتية، وهذه الفصول مستمرة طوال العام، ويمتد نشاط المركز إلى التعاون مع المؤسسات التعليمية لنشر اللغة العربية في البوسنة والهرسك.
لقد شاهدت فصولاً اجتمع فيها الطالب مع والده ووالدته أو كلاهما أو حتى جده تحت قبة المركز يتعلمون لغة القرآن الخالدة، واللغة الإنجليزية العالمية، أو معلومات العصر الضرورية من حاسب ومهارات، وقد وصل عدد خريجي المركز السنوي إلى خمسة آلاف دارس ومتدرب.
هذا المركز يمثل إشعاع خير وبركة، ويحقق أهداف المملكة وشعبها في تحقيق المصالح المشتركة والمنابع المباركة للجميع، حبذا لو حذت المراكز الأخرى حذوه، ومشت على خطاه، وحبذا لو جعلنا بعض مساعدتنا التي يذهب بعضها سدى ولا يستفاد منه في تنفيذ مراكز مماثلة تحقق أهدافاً سامية.
لقد رأيت أن من واجبي كمواطن سعودي يفتخر بما تقدمه بلاده من خدمات مفيدة للشعوب الشقيقة في العروبة أو في الإسلام أو حتى الصديقة أن أشيد بتجربة هذا المركز، وأن أقدم شكري الجزيل لكل من عمل أو ساعد في تحقيق أهدافه وعلى رأسهم معالي الأستاذ الدكتور/ خالد بن محمد العنقري وزير التعليم العالي، الذي يولي هذا المركز وأمثاله اهتماماً خاصاً ويتابعها بنفسه، وسعادة السفير السعودي في البوسنة والهرسك الأستاذ/ عيد بن محمد الثقفي الذي يتابع أعمال المركز، وإلى إدارة المركز والعاملين فيه، سائلاً الله لبلادنا العزيزة ولحكومتنا الرشيدة بقيادة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير/ سلمان بن عبدالعزيز وسمو النائب الثاني الأمير مقرن بن عبدالعزيز التوفيق والنجاح في كل المجالات، والله الموفق.