فقدنا في الأيام الماضية رجلاً من الرجالات المحترمين من جيل الرواد في هذا الوطن، الذي كان مفكراً متميزاً، وشاعراً بليغاً ورقيقاً طالما تميز بعطائه الفكري في قضايا الوطن والأمة، وكان بعيد النظر في طروحاته وأفكاره التي اتسمت بالعمق ودقة التحليل، وحرص خلالها على أن يقول الحق كما يراه، وقد عانى بسبب ذلك كثيراً.
إن رحيل الدكتور أسامة عبد الرحمن عثمان وأمثاله من الرجال أمر محزن، ففقدهم بالتأكيد خسارة للوطن، وأنا على يقين أن الأجيال القادمة سوف تعيد قراءة أعماله لأن فكره في أغلب الأحيان سابق لوقته، ويتسم بالدسامة الفكرية التي تهضمها المجتمعات على مراحل طويلة والصالحة لجيله وللأجيال الآتية من بعده.
وأحب أن أؤكد هنا على جانب كنت متعلقا به كثيراً في شخصية الدكتور أسامة وهو عمق شاعريته، فقد كان منذ شبابه وزمالته لوالدي- رحمهما الله- شاعراً رقيقاً متمكناً من أدواته، يتسم شعره برقي الألفاظ والصور الشعرية الجميلة، وأكثر ما يميزه في نظري هو الموسيقى العالية، فكنت أستمتع كثيراً بقصائده التي حوت معاني سياسية أو اجتماعية، كما استمتع بقصائده ذات المناحي الأدبية الرائعة، لأنها نابعة من موهبة حقيقية أتمنى أن يتصدى لها أهل الاختصاص بالدراسة والتحليل ليخرجوا لنا جواهرها.
كان عطاء الدكتور أسامة متنوعاً، وقد نشرت له دواوين شعرية عديدة مثل: «موج فوق موج»، «رحيق غير مختوم»، «فأصبحت كالصريم»، «لا عاصم»، «هل من مجيب»، و»عندما يبحث الوطن عن منفى» كما نشرت له كتب عديدة مثل: «شظايا في الفكر والتنمية»، «المورد الواحد والتوجه الانفاقي السائد»، المثقفون والبحث عن مسار»، «دور المثقفين في أقطار الخليج العربي في التنمية»، «المأزق العربي الراهن هل إلى الخلاص من سبيل»، «التنمية بين التحدي والتردي»، الثقافة بين الدوار والحوار»، «الإسلام والتنمية»، «أرخبيل القمر». وكل من يطلع على نتاجه الفكري يجد أنه رجل عاش للكلمة وأعطاها الكثير، ولم يكن ممن ينتظرون ثناءً أو منافع شخصية، فقد كان وطنيا بامتياز وإن اختلفت معه في الرأي فيجب أن تعلم أن مبعث أفكاره وطروحاته الرغبة الصادقة في الوصول بمجتمعنا السعودي والمسلم إلى أفضل صورة ممكنة.
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، وخلفه خيراً في أهله، وجعل في أبنائه وبناته حسن العقب، ولا نقول وداعاً للدكتور أسامة ولكن نقول نستودعك الله الذي لا تخيب ودائعه وستبقى بيننا بإرثك الفكري والأدبي.