رغم إرثٍ تاريخيٍ عدائيٍ مرير امتد لأكثر من ثلاثة عقود مخلفاً انعدام ثقة.. ورغم ما تشكله إيران من قلقٍ عميق بالنسبة للغرب وللعرب على حدٍ سواء تأتي صفقة الرهان على الانتصار فمن الخاسر ومن المنتصر عندما صفق الغرب للاتفاق الذي تم بين أمريكا وإيران، وهل هذا التصفيق يعني طياً لصفحة من تاريخٍ مثقلٍ بالعداء بين واشنطن وطهران؟
هل هو تغييرٌ لسياسة الدولتين التي طالما كانت تشهد أروقة الأمم المتحدة حراكاً دولياً مكثفاً حول برنامج إيران النووي ومواقفها الداعمة لنظام الأسد..وما تمثله طهران من تهديداتٍ لجيرانها ومجمل أنشطتها التخريبية ضدهم، وسعيها لاستغلال الظروف الصعبة التي قد يعاني منها بعض حلفاء أمريكا في المنطقة لبث الفتنة واستنهاض خلاياها النائمة في المنطقة..تطوراتٌ متلاحقة وملفات عديدة طرِحت على مائدة التحليل والتوقع والمزيد من الاحتمالات..وبين عشيةٍ وضحاها أبرِمت الصفقة..فهل قدمت إيران شيئاً ملموساً يمكن أن يبرر الاعتقاد أنها تغيرت.. أم أمريكا هي التي تغيرت سياستها تجاه إيران..كثيرة هي الأسئلة التي شكلت هواجس الاستغراب والحيرة حول هذا الاتفاق لكن يمكن اختزالها في (ما هي دلالات المحاور التي تمخض عنها هذا الاتفاق).. صحيح أن تصريحات المسئولين الأمريكيين كانت تشير دائماً بأن موقف إدارة الرئيس الأمريكي يتمثل في أن كل الخيارات مطروحة في التعامل مع الملف النووي الإيراني..إلا أنها في نفس الوقت أعلنت مراراً أنها تفضل أن يتم التوصل لحل هذه الأزمة بالطرق الدبلوماسية..وصحيح أن إيران بعد تولي حسن روحاني رئاسة الجمهورية تسعى لاستعادة مصداقيتها في الساحة الدولية وتلميع صورتها التي بُهِتت بسبب عدائها لأمريكا بل عداؤها للغرب بشكل عام، لكن طرق الحل الدبلوماسية والاتفاق جاء مفاجئاً وغير متوقع بالنسبة للمنطقة العربية وعلى وجه الخصوص دول مجلس التعاون رغم مباركة بعضهم لهذا الاتفاق إن لم يهدف للإضرار بأمن دول المنطقة العربية وخاصة دول مجلس التعاون.. فقد سبق وأن ذكرت وزيرة خارجية أمريكا السابقة (أولبرايت) إن أصدقاء أمريكا لا يدركون الوضع على حقيقته بالنسبة لإيران وذلك لأن إيران تثير أسوأ مشكلة عالمية لكونها تجسد الدولة الشاذة من بين كل دول العالم. إذن ما السر الذي وقف خلف هذا التقارب السريع بين أمريكا وإيران والذي اختِتم باتفاق. من الواضح أن إيران لم تقدم شيئاً محدداً يثبت أي تغيرٍ في مواقفها وفي سياساتها العملية تجاه أي قضية من القضايا سواء المسألة النووية أو فيما يتعلق بقضايا المنطقة وعلى رأسها الأزمة السورية..لكن اللافت أن أمريكا هي من كانت تسعى للتقارب والتفاوض وإبرام الصفقة اللهفة العارمة من قبل الإدارة الأمريكية لهذا التوجه تعود في تقديري إلى عدة أسباب من بينها أن هذه الإدارة وجدت نفسها في مأزق مع قضاياإقليمية شائكة ووقفت عاجزة عن اتخاذ مواقف حاسمة وتجسد ذلك بوضوح من خلال الأزمة السورية عندما هددت باستخدام القوة العسكرية ثم تراجعت.. إلى جانب هزيمتها في مصر لاستمرار حكم الإخوان رغم محاولاتها وضغوطها والحيلولة دون إقصائهم.. بل إن من أهم عوامل هزيمتها الموقف الذي اتخذته المملكة العربية السعودية وعدد من دول مجلس التعاون لدعم مصر سياسياً ومادياً..وكأني بأمريكا تستخدم لغة (لي الذراع) باتفاقها مع إيران.. أو بعبارة أخرى تهديد للدول العربية والخليجية.. وثمة عامل آخر لا يقل أهمية عن غيره من العوامل.. فكثيراً ما يردد المسئولون في الإدارة الأمريكية بأنه لا يمكن التعامل مع قضايا الشرق الأوسط دون إيران ودورها السؤال..هل مُنِحت إيران صك وصاية على العرب؟ بتاتاً..إذن من الحماقة ألا تُحل قضايانا إلا بوجود إيران..وستكشف لنا الأيام خداع ومكر كل من يدعي الانتصار.