في يوم الأربعاء الموافق 16 محرم 1435هـ قرأتُ في صحيفة الجزيرة ما كتبه الكاتب القدير الدكتور جاسر بن عبدالله الحربش تحت عنوان (حسبنا الله ونعم الوكيل)، وتطرق إلى كارثة جدة ومشاريع عديدة، وقد تخلل مقاله من النقد الهادف ما يدعو إلى صحوة الضمير. وفي هذا السياق أضم صوتي لصوت الدكتور جاسر، وأقول إن القشة التي تقصم ظهر البعير هي السماح ببيع المشاريع من الباطن لمرات عدة؛ تلك خطوة غير موفقة، وبوابة عريضة تسمح بتمرير كل أنواع التهاون واللعب المفضوح؛ لأن معظم، وينتهي الأمر بأن يستلم تنفيذه مقاول ضعيف ذو إمكانيات بسيطة، وهنا يبدأ مشوار التهاون وتنفيذ المشروع بأسلوب كيفما اتفق؛ لأن الإشراف على تأمين المواد التي يتطلبها المشروع يكاد يكون غير موجود، ومعظم المشاريع يختلط في أسلوب تنفيذها الحابل بالنابل.
سأقوم بسرد مجموعة من المشاريع التي تتراوح أعمارها من ثلاث سنوات إلى عشرين عاماً، وأولها مطار الملك فهد؛ إذ إنه منذ أن تم بناؤه وأجهزة التكييف فيه تتعطل أثناء موسم الصيف، ويكمل الناقص خرير المياه من أسقفه في كل مواسم الأمطار.
أما جامعة الأميرة نورة فقد بُنيت بالأمس، وبدأت فيها بعض الديكورات السقفية بالتساقط. والحديث عن تلك المشاريع يجر بعضه بعضاً؛ لأن تنامي التلف يزداد عاماً بعد عام في معظم المشاريع المهمة.
وقد يكون كوبري الثمامة من المشاريع القديمة، ولكن المضحك المبكي هو تعليل وزارة النقل سبب السقوط (انهيار التربة من تحته)، وكأنهم يتحدثون عن شخص قد كتب تعهداً بألا يفارق مكانه.
طبعاً انهار الكوبري بسبب هشاشة التربة تحت الأساسات، ولكن لماذا نُفّذ بهذا الشكل؟ ومن هو الاستشاري الذي وافق على تنفيذه بهذا الأسلوب؟ ومتى ستحدد المسؤولية على تلك الجهة الحكومية التي تغاضت عن مشروع ملفق، يمثل الفخ الملقى على قارعة الطريق؟ ومما يحز في النفس أن رجلاً من ذوي الخبرة الفنية قد أبلغ الجهات الأمنية بأن السيول قد عملت تعرية خطرة لأساسات ذلك الكوبري، وأنه آيل للسقوط في أي وقت، ومع الأسف استُقبل بلاغه بكلمة «أبشر وما قصرت».
ما من شك بأن مقاول ذلك المشروع قد هرب. واستكمالاً لاستعراض مشاريعنا المعيبة نأتي إلى أنفاق طرق شمال العاصمة، فسبحان الله، بقدرة قادر تكون توربينات نزح المياه فيها معطلة في كل موسم مطر.
أما أنفاق جنوب العاصمة، وبالتحديد حي السويدي، فقد اكتسبت شهرة على مستوى الخليج؛ لأنها تعتبر مصائد لعباد الله وقت السيول. خذوا حذركم يا أهل جنوب الرياض.
سأرجع إلى ما بدأت به مقالتي وأقول: يا دكتور جاسر، إن الوطنية التي أملت عليك كل عبارات اللوم في مقالكم سالف الذكر محق بها، وعين الصواب، ولكن هل ستلوح في الأفق صحوة للغافلين أو المتغافلين من المشرفين على تلك المشاريع الحيوية المهمة.
إن مقدرات البلاد قد أنفق منها أموال طائلة على مشاريع في أيدٍ غير أمينة؛ لأنها تصاب بالتلف قبل أن يكتمل بناؤها.
أملي أن تتخذ التدابير الفاعلة من قِبل ولاة الأمر بأن تكون العقوبات صارمة ومشددة على كل المتهاونين الذين أوكلت لها مهام الإشراف واستلام المشاريع. وحسب رأيي، فإن مسح عبارة من الباطن في كل العقود سيكون كفيلاً بتخفيف نسبة التهاون والأخطاء.
أخيراً، سؤال يطرح نفسه: من المسؤول عن تعويض أصحاب المركبات التي تتعرض للغرق، وتتلف محركاتها بسبب استهتار المقاولين؟ هل ستحمَّل المسؤولية على المقاول منفذ المشروع؟ أم وزارة النقل؟ أم وزارة البلديات، وتمثلها الأمانة والبلديات؟
أملي أن ينظر بعين الاعتبار وتحمل المسؤولية إلى من يجب أن يتحملها؛ لأن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
وبالله التوفيق.