1 - من المداعبات والمواقف التي تعرضنا لها في شبابنا أن يُطْلَب منا النظر إلى كأس مملوءة بالماء حتى منتصفها وسؤالنا: هل هي نصف ملأى أم نصف فارغة؟.. وكيف أن من خلال نظرتك تلك يُحْكَم عليك هل أنت متفائل أم متشائم.. ثم بعد ذلك بدأنا في التعرف على حالات وأنواع أخرى من النظر والنظرات.
2 - هناك من لا يرى من الأمور والحياة سوى الجانب السلبي.. فهو لا يرى من الدين سوى الحرام.. ولا يرى من صفات الله تعالى سوى أنه شديد العقاب.. ولا يرى في الناس سوى الانحلال وفساد الضمائر.. ولا يرى في الرجل سوى الشهوة.. ولا يرى في المرأة سوى أنها عورة.. ولا يرى في الآخرة سوى عذاب النار.. ولا يرى في الدنيا سوى الفساد.. ولا يرى في النهار سوى كشف الستر.. ولا في الليل سوى غطاء الخيانة.. ولا يرى في الحوار مع الآخر سوى العمالة.. ولا في السفر سوى الانحراف.. ولا في النظافة والقيافة سوى الترف.. ولا في السكن الفاره سوى الغرور والتكبر.. ولا في كرم النفس سوى التزلف.. ثم هناك الذين ينظرون إلى الأمور من منظور مذهبي أو حزبي أو فئوي أو عرقي فقط.. أوقعهم في شَرَك عدم تمكُّنهم من تصور الأمور وبالتالي عدم الحكم عليها حكماً محايداً صادقاً نزيهاً بريئاً صحيحاً خالياً من الأغراض الشخصية والتوجيه الحزبي والانقياد الطائفي.
3 - هناك من يرى أن شؤون الحياة من قضايا ومواضيع ومواضع وسير وتقاليد وأعراف ومعارف وثقافات وكل شيء آخر يدور في حياتنا من تصرفات أو نوايا يجب أن يُنْظر إليها من منظور متشائم متشكك تحكمه طائفية الدين أو العرق أو الحزب وبالتالي يكون الحكم عليها من ذلك التصور.. وهناك من يرى أنه بسبب تعدد الأعراق والقوميات والتيارات الفكرية فإن الديمقراطية للمجموع والحرية الشخصية للأفراد هي الاتجاه الذي يجب أن تُرَى الأشياء وفق حدوده وموروثاته.. وهناك من يرى أن العلم والثقافة والمعرفة هي المهيمنة على الأمر كله.. وهناك من يرى أن العقل وحده هو السيد والميزان الدقيق الذي يجب أن تُرَى الأمور ويُحْكَم عليها وفقه.
4 - هناك من يرى الأمور كيفما اتفق.. فخير الأمور لديه هي العائمة المتفرقة المفككة العبثية.. وأن الحياة كلها فعل ورَدَّة فعل.. وأن أي تفكير فيها بخلاف ذلك هو تَعَدٍّ على ناموس الحياة وصدفها ونظامها.. وأخيراً هناك من يرى أن الحياة لم تُخْلق لمجرد النظر إليها والتفكر في أحوالها والتكيف مع حلوها ومرها.. بل يجب هزها وخضها وإن لزم الأمر تفجيرها لإصلاح الشأن العام .