القمة العربية الإفريقية التي اختتمت أعمالها في الكويت تحت شعار شركاء في التنمية والاستثمار استهدفت تطلعات كبيرة لتحقيق استراتيجية بين دول المنطقتين تقوم على التكامل بين رأس المال والموارد الطبيعية والتزام الدول المشاركة بحقوق الإنسان واحترام القانون الدولي الإنساني والوقوف بحزم ضد الإرهاب بكل أشكاله وصوره. هذا المؤتمر الذي شارك فيه جلالة الملك عبدالله الثاني مع إخوانه ملوك ورؤساء الدول العربية والإفريقية دعا في بيانه المجتمع الدولي عربيا وإفريقياً إلى مواصلة القيام بدوره الإيجابي في تعزيز السلم والاستقرار والأمن والمساعدات الإنسانية والتنموية مع تعزيز القدرات والإمكانات التي تخدم الجانبين.
والواقع إن صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل ممثل المملكة العربية السعودية لعب دوراً بارزاً في إجراء اللقاءات مع القادة العرب والأفارقة حيث بحث معهم العلاقات الثنائية والدور الكبير الذي تبذله المملكة لدعم الدول العربية والإفريقية على السواء بالإضافة إلى جمع الصف العربي وتوحيد الكلمة داعياً إلى أن التركيز على هدف التنمية والاستثمار يتطلب منا التوجه الجاد نحو تسوية الخلافات البينية بالوسائل السلمية وبالأسلوب الذي يحفظ الحقوق المشروعة للأطراف المعنية ويؤدي إلى استتباب الأمن والاستقرار في هذه الدول. وأكد سموه أن التنسيق بين مجلسي السلم العربي والإفريقي خطوة لمعالجة كل القضايا الراهنة. لقد أشاد الزعماء العرب والأفارقة بالمؤتمر بدور السعودية في دعم الدول العربية والإفريقية عندما قال سموه إن بلاده قدمت للدول الإفريقية حوالي 30 مليار دولار غير مستردة مساهمة منها في دعم اقتصاد إفريقيا بشتى الوسائل, ودعا سمو الأمير سعود الفيصل المؤتمرين أثناء النقاش إلى أن تخرج القمة بقرارات تجسد رؤيتنا المشتركة من عرب وأفارقة نحو النهوض بالعلاقات بين الجانبين إلى المستويات المأمولة وتأطيرها من خلال عقد الاجتماعات باستمرار بينهما لما ستشكله هذه الاجتماعات من رافد مهم لتذليل العقبات والدفع بالتعاون المنشود إلى ما نرنو إليه لإسعاد شعوبنا العربية والإفريقية. لقد أسهمت أيضاً جهود صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت رئيس القمة في إنجاح هذا المؤتمر بفضل حكمته وخبرته الطويلة في التواصل العربي ودعم العلاقات العربية والإفريقية على أسس سليمة ومتينة.
لقد أكد هذا المؤتمر الذي حضرت فعالياته في قصر بيان بالكويت بأن عهداً جديداً من التعاون بين المنطقة العربية والقارة الإفريقية قد بدا في الكويت دشنته القمة الثالثة التي شهدتها الكويت. جلالة الملك أسهم في لقاءاته في دعم العلاقات العربية الإفريقية وحث على تفعيلها وتعزيزها لما تحققه من فوائد اقتصادية واستراتيجية حاضراً ومستقبلاً على المدى البعيد. لقد جاءت القمة العربية الإفريقية الثالثة بالكويت يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين أفضل تنظيما وأكثر تحديداً في مقرراتها عن القمتين السابقتين اللتين عقدتا في القاهرة عام 1977 وسرت بليبيا عام 2010 وذلك بتركيزها على قضايا التنمية ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود والاتجار غير المشروع في السلاح.
وكان الجانب العربي متعاوناً خاصة الكويت التي تقدمت بمبادرة سخية لتمويل مشروعات التنمية في إفريقيا. ولكن تنفيذ مقررات هذه القمة سيتوقف إلى حد كبير على مدى استجابة الحكومات الإفريقية لمطالب الجانب العربي بإزالة عوائق التنمية لتشجيع المستثمرين ورجال الأعمال علي الدخول في مشروعات يحتاج إليها الجانبان خاصة في الزراعة والإنتاج الحيواني وتوليد الكهرباء وزيادة التبادل التجاري.
وفي هذا السياق قررت القمة مطالبة الحكومات الإفريقية والعربية بتعزيز التعاون وتيسير الاستثمار خاصة في مجال الطاقة والاستخدام الفعال للموارد الطبيعية والبشرية ومطالبتها كذلك بسن القوانين اللازمة لتشجيع وتسهيل الاستثمار ودعم مبادرات التنمية الصناعية للحد من الفقر وتوفير فرص عمل للشباب الذي يعاني البطالة في معظم الدول الإفريقية وتشجيع القطاع الخاص والمجتمع المدني على القيام بدور رئيسي في النهوض بالزراعة وتحقيق الأمن الغذائي حيث إن هناك عجزاً هائلاً في المواد الغذائية قدر في عام2010 بـ34 مليار دولار في العالم العربي و21 مليارا في دول إفريقيا جنوب الصحراء. كما أن حجم التبادل التجاري بين الدول الإفريقية والعربية ما زال متدنيا جدا حيث لم يتجاوز 25 مليار دولار بينما ارتفع بين إفريقيا والصين وحدها من 10 مليارات عام 2000 إلى 200 مليار في عام 2010 ومن هذا المنطلق ركزت قمة الكويت على الاستثمار في مجال الزراعة والأمن الغذائي على أمل أن تتنبه الحكومات لهذا الخطر وتسارع بتهيئة الأوضاع للاستثمار الكثيف في الزراعة والإنتاج الحيواني مستفيدة من وفرة العمالة الرخيصة في إفريقيا والمياه والأراضي الخصبة غير المستغلة وفائض رؤوس الأموال العربية خاصة الخليجية منها والمنافسة الشديدة التي تلقاها الاستثمارات العربية في الأسواق التقليدية في أوروبا والولايات المتحدة وآسيا. وقد جدد القادة التزامهم بمواصلة جهودهم للتصدي للتحديات وإزالة العوائق التي تواجه تنشيط وتطوير التعاون الإفريقي العربي وفقا للمصالح المشتركة والمنافع المتبادلة مع الإشارة إلى التقدم الذي أحرزته الدول العربية والإفريقية في هذا المجال وهو ما يتجلي في حصول ثلاث دول إفريقية ضمن أكثر عشر دول في العالم تسهيلا لإجراءات الاستثمار.
وفي ضوء ضعف حجم التبادل التجاري بين إفريقيا والعالم العربي وتدنيه قرر القادة دعم التكامل الإقليمي بين المنطقتين بزيادة حجم التجارة والاستثمار وتعميق تكامل السوق بما يسهم في جهود التنمية الاقتصادية المستدامة والتنمية الاجتماعية المتكاملة مثل توفير فرص العمل والحد من الفقر وتدفق الاستثمار المباشر والتنمية الصناعية. كما ركزت القمة في مقرراتها على موضوع آخر يقلق الجانبين العربي والإفريقي وهو موضوع الإرهاب الذي ضرب في كثير من الدول ولا يعرف حواجز أو حدوداً وعانت منه دول عربية وإفريقية عديدة خاصة دول الساحل والصحراء وفي مقدمتها مالي ونيجيريا وأوغندا وكينيا ودول عربية مثل الجزائر وليبيا وتونس ومصر مما استوجب التأكيد على ضرورة التعاون بكل الوسائل الممكنة بين الدول العربية والإفريقية في مواجهة هذا الخطر الذي يتسع نطاقه ويشكل معوقا للتنمية بسبب قلقلته لاستقرار الدول يضاف إلى ذلك تأكيد القمة على ضرورة مواجهة الجريمة المنظمة العابرة للحدود والاتجار غير المشروع في السلاح والبشر لأنها تشكل خطرا داهما على أمن واستقرار الدول.
وفي ضوء القلاقل والاضطرابات التي تشهدها بعض الدول أكد القادة التزامهم للتصدي بقوة للأسباب الجذرية للنزاعات والعنف وجددوا التزامهم باحترام السيادة الوطنية وسلامة أراضيها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية ودعوة جميع الأطراف المعنية إلى إيجاد تسويات سلمية للأزمات السياسية في المنطقتين. وأعرب القادة عن امتنانهم للكويت وأميرها الشيخ صباح الأحمد وحكومتها وشعبها لمبادرته بتخصيص ملياري دولار للمساعدة في عملية التنمية في إفريقيا على مدى السنوات المقبلة وأيضا تخصيص جائزة مالية سنوية بمبلغ مليون دولار باسم الدكتور عبدالرحمن السميط للأبحاث التنموية في القارة السمراء كما رحبوا بتبرع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بمائة مليون دولار لمركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب كما أشادوا بقرار القمة الاقتصادية العربية الأخيرة في الرياض بزيادة رأسمال المؤسسات المالية العربية بما فيها المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا بنسبة50 %وفي ضوء سعي إفريقيا لتمثيل نفسها في مجلس الأمن الدولي بما يتناسب مع حجمها لأنها تشكل حوالي ثلث دول العالم أكد القادة التزامهم القوي بالعمل على إجراء إصلاح شامل لنظام الأمم المتحدة بما في ذلك مجلس الأمن ليعبر عن واقع العالم الحالي ويجعله متوازنا إقليميا وأكثر عدلا وديمقراطية وفعالية ودعوا إلى تنسيق المواقف العربية والإفريقية في هذا الصدد. من هنا يتضح مدى حاجة كل من الطرفين إلى الآخر لمواجهة التحديات المشتركة في التنمية ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وحل النزاعات سلميا لكن تنفيذ هذه المقررات يتوقف على مدى تعاون الجانب الإفريقي بتهيئة البيئة المواتية للاستثمار وأيضاً ما إذا كان المستثمرون العرب سيقومون بمخاطرة محسوبة للاستثمار في إفريقيا بتشجيع من حكوماتهم إذا اقتنعوا بجدية الإجراءات التي تتخذها الحكومات الإفريقية. هذه القمة التي جمعت هذا الحشد الكبير من الدول المشاركة فيها، وذلك في إطار الحرص من القادة وزعماء الدول على الحضور وتلك النتائج الكبيرة التي أسفرت عنها تعني أن قطار العمل الجاد نحو الشراكة الحقيقية، التي تساهم في ازدهار الجانبين قد انطلق فعلاً من محطة الكويت مصحوباً بتصميم عربي وإفريقي جاد، على تأسيس قاعدة صلبة هادفة إلى الانطلاق بالعمل المشترك نحو آفاق التنمية والاستقرار.
لقد حددت قمة الكويت برئاسة سمو أمير الكويت وبمشاركة عربية وإفريقية فاعلة خارطة الطريق ورسمت المعالم التي سيتم السير عليها، لإنجاز التكامل، وتحقيق الآمال التي حفزتها قرارات القمة ومن بينها التركيز على المجالات الاقتصادية والتنموية والاهتمام بالجوانب الإستراتيجية كالصحة والأمن الغذائي، والمشاركة الفاعلة للقطاع الخاص. وسعى المؤتمرون عبر إعلان الكويت التاريخي على هذه المجالات مؤكداً بوضوح في ديباجته أن تحقيق التنمية مرتبط بتوافر الأمن والاستقرار فمعالجة الأسباب الرئيسة للنزاعات وأعمال العنف باتت ضرورة قصوى لتوفير بيئة داعمة للخطوات التي تساهم في تحقيق هدف الازدهار والرفاه لشعوب المنطقتين.
والواقع أنه منذ اللحظات الأولى لافتتاح أعمال تلك القمة بدا أن الكويت قد هيأت جميع الظروف لتحقيق النجاح لها ثم جاءت المبادرات الثلاث التي أطلقها صاحب السمو أمير الكويت في المؤتمر لتؤكد النهج الكويتي الداعم بشكل مبدئي للقارة الإفريقية وهي المبادرات التي نالت استحساناً وإشادة واسعين على جميع المستويات. فقد صدرت القرارات وساد التفاؤل الجميع بشأن المرحلة المقبلة بدأ وقت العمل فهناك قارة بكر ذات إمكانات واعدة وهناك عزم عربي على التعاون والاستثمار على قاعدة التكامل وتبادل المصالح وهناك قناعة بأن مساعي تحقيق الاستقرار يجب أن تكون موازية للتنمية الشاملة.