عندما يذكر الرجال الذين نذروا أنفسهم لخدمة الوطن وإنسانه وتراب أرضه الطيبة، يبرز اسم الدكتور محمد بن أحمد الرشيد في مقدمة تلك الأسماء، التي مهما كانت الصعوبات والتحديات والعراقيل والنكسات والمنغصات، فهي تكون قوة الدفع لهم، فتزيدهم حيوية وتوقدا، لمزيد من العطاء والتضحية؛ من ينذر نفسه لخدمة وطنه ويتخلص من أنانيته وحبه لذاته، يعيش في حالة نقيضة للطبيعة البشرية السائدة بيننا، والتي تجعل منا أناس أنانيون، همهم تغليب المنفعة الخاصة، من نذر نفسه لخدمة الناس كل الناس، هو إنسان أدرك الهدف من وجوده على هذه الأرض، أدرك واجبه في عمارة الأرض من حوله، فيصبح العطاء، رسالته في الحياة، واجبه التأدية مهما بلغت التضحية.
أخي وصديقي محمد بن أحمد الرشيد، الذي ودعناه بالأمس إلى مثواه الأخير رحمه الله، هو واحد من أولئك الرجال الأفذاد الذين نذروا أنفسهم لخدمة هذه الأرض الطيبة، التي أحبها، بل وعشقها وأعطاها من فكره وجهده ووقته طيلة حياته، أبو أحمد رحمه الله، لم يكن إنساناً عادياً، بل كان قيادياً باحثاً عن الحقيقة والمعرفة حتى يجدها، لا يمكن لمن عرفه أو زامله أو شاركه في جزء من مشوار حياته الغنية بالعطاء أن ينساه، كان رجلاً فذاً متى وجد الأفضل تبناه وعمل جاهداً لتحقيقه على أرض الواقع، خاصة في مجال التربية والتعليم الذي أحبه، عن إدراك وفهم عميق أنه مفتاح النهضة لوطنه وأمته.
أبو أحمد رحمه الله كان إنساناً بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، كان رجل الوفاء والمحبة والإخلاص، للوطن، ولكل من عرفه، وشاركه هموم الوطن وتطلعاته في أن يكون وطن خير ونماء لكل أبنائه خاصة، بل ويتعدى ذلك ليعم أمته العربية والإسلامية. معرفتي بأبي أحمد بدأت في خريف عام 1972م، ولم يكن ذلك على أرض الوطن، بل كان في الغربة، وكنا طلاب علم في الدراسات العليا في جامعة أوكلاهوما-في مدينة نورمان، وبالتحديد في مركز التعليم العالي في تلك الجامعة، كنت في بداية مشواري لمرحلة الدكتوراه، وكان رحمه الله في نهاية ذلك المشوار، هو من قدمني وطاف بي حي الجامعة وبناياتها، شارحا ومبصراً عن برامجها ونظامها الأكاديمي، كعادته مع كل من يصل إلى تلك المدينة من الطلاب السعوديين أو العرب، كان يمد يد العون والمساعدة لمن يعرف ومن لا يعرف، هي خصلة العطاء اللا محدود التي تميز بها، والرغبة في خدمة الناس، كان استقباله لي استقبال الأخ الذي عرفه من سنين، وبادلته نفس الشعور، ومن ذلك التاريخ حتى وفاته، لم ينقطع حبل الوصل بيننا، كان عميدا لكلية التربية في جامعة الملك سعود، وكنت عميدا لكلية الإدارة الصناعية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وكان مديرا عاما لمكتب التربية لدول الخليج العربية، وكنت أميناً عاماً لمنظمة الخليج للاستشارات الصناعية، هيئتان أسستا قبل مجلس التعاون، قصد بهما تقدم منطقة الخليج العربية، والعراق كان عضوا فيهما، وكنا عضوين في مجلس الشورى في دورته الأولى، ومهما افترقت مواقع عملنا إلا أن حبل المودة كان موصول بيننا، كان في فترات يعاتبني لعدم زيارتي له أثناء وجودي في الرياض، وكنت أعاتبه لماذا لا يزورني في الدمام، كان عتابه عتاب المود حقاً، وكنت أبادله الشعور نفسه، صداقتنا كانت صداقة ومحبة في الله، ومن أجل خدمة الوطن وتقدمه، لم تكن لمصلحة نرجوها، أحببت فيه صدقه وأمانته وحسن معشره، وطيب معدنه، وشفافية روحه، ودماثة خلقه، ومحبته للخير وإنسانيته ووطنيته. رحمك الله يا أبا أحمد، بفقدك فقد أهل بيتك الرجل والأب والأخ والصديق، عزائي لأم أحمد وأولادها وبناتها، وعزائي لإخوانه وأخواته وأهله، وعزائي للوطن الذي فقد أحد أبنائه البررة المخلصين الصادقين، وعزائي لأصدقائه وهم كثر وأنا منهم، لفقد الصديق الإنسان المحب الودود المخلص.
رحمك الله يا أبا أحمد رحمة واسعة وأسكنك جنة النعيم وإنا لله وإنا إليه راجعون.