* بصرف النظر عن مدى استعداد الأجهزة الحكومية، أو قوة وسلامة البنية التحتية لدينا، أو تكامل الخدمات العامة وجودتها. هل المجتمع السعودي باستعداده النفسي، والاجتماعي، والثقافي، والجسمي مستعدٌ لأي كارثة طبيعية، أو غيرها، لا قدر الله ذلك؟ وهل هناك مجتمع من المجتمعات، أو شعب من الشعوب في كافة بقاع الأرض وأقاليمها بقي على امتداد تاريخه بمنأى عن الكوارث؟ هل الرفاهية، والرخاء، والاستقرار ستظل، أو ظلت لأي مجتمع من المجتمعات طيلة تاريخهم. الجواب في كلا الحالتين، لا،بل إن ذلك يخالف سنن الله في الكون، والحياة، والإنسان، وتلك ثقافة عامة يجب أن نعيها وتستوعبها الأجيال، إذن كيف تواجه المجتمعات، أو تكون مستعدة لمواجهة المتغيرات.
* جراء الأمطار الغزيرة التي ضربت معظم مناطق بلادنا، في بواكير موسم الشتاء لهذا العام، وما سبق من ذلك من ظواهر مطرية غزيرة في العام الماضي أواخر فصل الربيع، من جراء ذلك كله انهارت جسور، وجرفت طرق، وفاضت بعض الأحياء، وأغلقت شوارع وممرات، وتصدّعت بعض السدود، وتعطلت أجهزة التصريف في بعض الأنفاق، وتضررت بعض الممتلكات العامة والخاصة، وتعطلت بعض مصالح المواطنين بعض الوقت، وكلها تشيء عن ضعف في الاستعداد للأجهزة الحكومية بشكل عام، وتهاون في الأداء والمراقبة، وضعف في تحمل الأمانة الملقاة على عاتق المسؤول، وسوء استخدام للسلطة، أو استغلال سيء لها. ) عزفت أقلام كثيرة على هذه الأوتار، والتقطت عدسات المصورين تلك الظواهر وآثارها. وثقت الحدث بكل وقائعه وتفاصيله لحظة بلحظة، وتناقلها النشطاء من المغردين بشيء من الجد والسخرية، يعتصرهم الألم، ويحدوهم الأمل أن تستيقظ ضمائر المسؤولين، أو على الأقل استفزاز روح المواطنة في دواخلهم. تناولوا كل ذلك بشيء من الواقعية أحيانا، وبشيء من المبالغة، والنقد الجارح غير البناء، متجاوزين في إيصال الصوت المبحوح حدود المعقول.
* وطننا المعطاء، وطننا العزيز يستحق من أبنائنا هذه الغيرة، وهذا التفاعل، ومن أساء، أو تقاعس، أو فرط في الأداء فيما أوكل إليه من مهام لم تكن له الحصانة التي عهدناها فيما مضى، إبان سيطرة الإعلام التقليدي، الذي انهزم وتراجع أمام ثورة الإعلام الجديد، أو الإعلام الشخصي الحر. التطور التقني، والسرعة المذهلة في وسائل التواصل والاتصال فاجأ الجميع، ليس على مستوى المسؤول، بل على العمل المؤسسي للحكومة، إذ لم يكن لديها الوقت الكافي المتسع لوضع الخطط السريعة الجاهزة، بل ليس بإمكانها، وربما يستحيل حل بعض الإشكالات. وقفت مذهولة ولم تستوعب كل ما حدث ويحدث، ولم يكن من الغريب أن يصيب البعض شيء من الوجوم أمام بعض الكوارث، وبخاصة ونحن أمام مجتمع تتشكل أكثريته من الشباب الذي امتلك من المعرفة الشيء الكثير. الجميع في هذه الكوارث مدانون، ويجب أن نتفق؟ وفي حال الاعتراف بذلك يمكن أن نضع أرضية صالحة للبناء من جديد والانطلاق بشكل أفضل مما كنا عليه.
* الشيء الذي يجب أخذه بالاعتبار، ونحن نتعاطى مع كل حدث مثل هذا، وأمام رأي عام داخلي يتطلع إلى الكمال في كل شيء، وأمام رأي عام عالمي يرصد، ويتابع، ويحلل، يتصيد الأخطاء، ويبحث عنها، بل ويقتنصها لتوظيف مثل تلك الأحداث وتصويرها ضد أمن، ووحدة، وتماسك هذا المجتمع، الشيء الذي يجب أن نعيه أننا محسودون ومستهدفون في كثير مما نحن عليه.
* الشيء الوحيد الذي ينبغي أن نتفق عليه هو الحرص على سمعة هذا الوطن، وتحسين صورته، والذب عنه بمختلف الوسائل، مهما كانت الظروف، ومهما تعاظمت الأخطاء. نشخص الواقع وننقد بهدوء، ونطلب المحاسبة، لكن لا نذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، لا ننجرف، أوننجر خلف كل ناعق، أوكل من يدّعي الإصلاح، وهو عنه بعيد.
* اليوم ننتقد، ونحن نمتلك وسائل الإصلاح والتطوير، والقدرة المادية والمعنوية. القدرة على أن نبني مجتمعا مرنا، حسن التربية، قادرا على التعاطي مع كل الظروف والأحداث، والكوارث، مجتمعا يكون الإنسان فيه يؤمن إيمانا كاملا أن الحياة لا يمكن أن تستقيم، أو تستمر على وتيرة واحدة، مجتمعا قادرا على الاعتماد على سواعد أبنائه، في كافة الأحوال والظروف.