منذ القدم وموجات عجيبة تصيب بعض المثقفين وأهل الحرف والكلمة والخطابة، ففي أحيان يكون الشعر والقصيد هو شغلهم الشاغل فتكثر القصائد ويسترجع ديوان المتنبي وأبي تمام والبحتري وحميدان ومحسن الهزاني، ثم تنقلب البوصلة الثقافية فتجد الكتابة والتأليف هي البضاعة الرائجة فالكل يكتب والكل يؤلف، وفي حين ثالث تكون المحاضرات والخطب والندوات والأمسيات الثقافية هي العلم البارز على المثقفين، وهذا أمر مشاهد من القدم بل منذ القرون المتقدمة.
التأليف والشعر والخطابة ليست حكرا على أحد، بل هي حق مشروع (بل ومرغوب) لكل صاحب موهبة وعلم، لكن ما كان يشتكي منه الأوائل هو من وصفوا بالدخلاء على العلوم، أو بتعبير آخر (المتعالمين) وهو من يدعي العلم وليس من أهله.
ومما يروى أن الإمام مالك، صاحب المذهب الفقهي المتبوع في دول كثيرة مثل الشقيقة الإمارات وشمال إفريقيا وغيرها، حين ألف كتابه الشهير الموطأ، هناك من قال له هناك من ألف مثل هذا الكتاب، فقال جملته الشهيرة (ما كان لله يبقى) فتميز كتاب مالك من بين كتب كثير من المؤلفين بأنه صاحب هم وقضية ورسالة، فاشتهر كتابه منذ تلك الأيام حتى يومنا هذا حتى أن عالم الاجتماع الشهير ابن خلدون قال عن هذا الكتاب (وتلقت الأمة هذا الكتاب بالقبول في مشارق الأرض ومغاربها)
وهنا القضية الكبرى لكل من أراد أن يؤلف أو يخطب ويحاضر، أو يقول الشعر ان يكون لديك هدف ورسالة وشريحة مستهدفة، لا أن يكون العمل الإبداعي لديك لإثبات الحضور أو ليقال فلان شاعر ومثقف أو مبدع.
جميل أن يكون لديك هدف تثقيفي، والأجمل أن يكون لديك وسيلة صادقة وغير متكلفة لتنوير المجتمع.
خذ قليلا من وقتك لدراسة تجارب كبار دعاة الإصلاح والتغيير عبر العصور، تجد أن هدفهم تنويري وتثقيفي وقد يكونوا واجهوا صعوبات اجتماعية لإيصال رسالتهم.
هنا الفرق !!