لقد أثمرت عمليات التصحيح الآن عن تصحيح تشوهات العمالة المخالفة، التي تشير الأرقام حالياً إلى ضخامتها بشكل غير متوقع.. فنحو 1.0 مليون وافد تقريباً حصل على تأشيرة خروج نهائي (طواعية) قبل انتهاء مهلة التصحيح، ونحو 1.1 مليون وافد صححوا أوضاعهم، وسيصبحون عمالة نظامية بالسوق، وهذا الرقم يرتفع شهرياً بما يعادل 30-50 ألف وافد؛ لأن هذه العملية مستمرة حتى هذه اللحظة. وتشير الحملات الميدانية إلى وجود ما يناهز 0.5 مليون مخالف من جنسيات بعينها، هم حالياً تحت الترحيل أو التصحيح.. فهل التصحيح شمل نحو 2.5 مليون وافد فقط؟ في الاعتقاد أن أرقام التصحيح أعلى من هذه الأرقام كثيراً؛ إذ إن كثيراً من العمالة الوافدة هجرت حالياً وظائفها، انتظاراً لتصحيح أوضاعها.. فكثير من المكاتب والشركات، خاصة الخدمية منها، بلا عمالة وافدة حالياً.. وفي الاعتقاد أن حجم عملية التصحيح سينال بسهولة ما يناهز 5.0 ملايين وافد. إن الأهم الآن هو رصد التداعيات الإيجابية والثمار الاقتصادية التي يمكن أن يجنيها الاقتصاد الوطني من هذا التصحيح.
القضاء على ظاهرة العمل الشخصي للوافد
سوق العمل كان ينطوي على تشوهات لم نكن نتوقعها على الإطلاق.. فعشرات المهن والوظائف كانت تؤدَّى بشكل غير نظامي، من قِبل عمالة وافدة، حتى بعيداً عن كفلائها.. فهناك المدرسون الخصوصيون، وهناك الناسخون والمترجمون والمؤلفون، والقانونيون والرياضيون، والطباخون، والمهندسون، والتقنيون، والنجارون، والكهربائيون، وغيرهم الكثير والكثير، الذين يعلنون عن طلب أداء أعمال بدون التزام بدوام، وبأسعار منخفضة للغاية.. يؤدون مهناً بأسعار منخفضة عن أسعار السوق الفعلية لها، بالشكل الذي حرم السعوديين من التفكير فيها.. الآن التصحيح يركز على القضاء على ظاهرة العمل الشخصي للوافد.. التي تُعتبر من أكبر إيجابيات التصحيح. ولعل الانتشار الكبير لجرائد ومواقع الوساطة والمبوبات «على النت» هو أحد مظاهر العمل الشخصي للوافدين خصوصاً.. نتيجة كثرة طلبات العمل التي يتقدم بها الوافدون للعمل لدى الغير بشكل غير نظامي. كما أن العمل لدى غير الكفيل ليس مجرد عمل غير نظامي، لكنه كان يتسبب في تشوه سوق العمل، نتيجة إتاحة الفرصة لكل وافد بالعمل لدى غير كفيله بحرية ويسر، بحيث تُحرم العمالة الوطنية من تحسين فرصها في الحصول على عمل لائق بشروط مقبولة.. الآن، وبعد منع هذه الظاهرة، تتحول المنافسة لتكون في صالح العمالة الوطنية.
تصحيح تشوهات قوى العرض والطلب بسوق العمل
من المتوقع أن يؤدي هذا التصحيح بشكل أو بآخر إلى انضباط أجور وتكاليف تشغيل العمالة في كل نشاط.. بالتحديد سترتفع أجور العمل لكثير من المهن الغائبة عن السعوديين، بما يؤدي إلى منافسة عادلة مع السعوديين في سوق العمل.. بل إن خروج المخالفين أو منعهم من العمل في كثير من المهن (بشكل مخالف) سيؤدي إلى قلة أعداد العاملين الوافدين في كل نشاط أو مهنة؛ وبالتالي سيؤدي إلى تحسين شروط منافستهم مع السعوديين، ومع الوقت سنلاحظ إقدام السعوديين على مهن وأنشطة لم يكونوا يزاولونها من قبل. إنها دورة ارتياد جديدة من السعوديين لمهن لم يعملوا فيها من قبل، بفعل تحسن مستويات الأجور فيها. إن سوق العمل بفعل قوى العرض والطلب سيصحح نفسه ذاتياً وتلقائياً، وبدون تدخل من أي طرف، طالما أزيلت التشوهات. إن التصحيح الحالي سيعمل على تفعيل قوى العرض والطلب بعيداً عن تأثيرات تشوهات المخالفات من قِبل العمالة الوافدة. إن الزمن الآن يسير في طريق البحث عن السعودي، أو البحث عن العمالة النظامية، والعمالة النظامية في كثير من المهن قليلة ونادرة، وهذه الندرة سترفع أسعارها في السوق، بشكل سيحفز السعوديين على امتهانها.. إن الأمل الآن معقود على عدم استقدام أعداد كبيرة من مهن معينة، حتى تتم دورة السوق (العمل والأجر) بشكل طبيعي، كعلاقة بين العرض والطلب على العمالة وأجورها.. إنها تجربة فريدة في الامتهان الأول للسعوديين لمهن ما كان متوقعاً امتهانها.
التداعيات الاقتصادية المباشرة للتصحيح على المدى المتوسط
هناك تداعيات اقتصادية مباشرة ناتجة من تصحيح سوق العمل، وهي تداعيات على المدى المتوسط، تتمثل في الآتي:-
1. تقليص بطالة السعوديين، نتيجة التسريع بعملية الإحلال للسعودي محل الوافد.. بل إن كثيراً من المهن الآن لا يوجد أمامها سوى العامل السعودي.
2. حملات التفتيش ستدفع إلى تصحيح عمليات تأنيث محال ومشاريع النساء؛ وبالتالي من المتوقع أن تقل بطالة النساء كثيراً في المدى القريب.
3. تراجع حجم التحويلات النقدية للوافدين، أولاً نتيجة تراجع أعدادهم، ثم نتيجة القضاء على ظاهرة العمل الشخصي للوافد، خاصة المهني منه.
4. على المدى المتوسط من المتوقع أن يصحح سوق العقار نفسه، نتيجة تراجع الطلب عليه بتأثير مغادرة الوافدين المخالفين، الذي يمكن أن يؤدي إلى تحسن في أسعار العقارات والإيجارات.
5. تقليص حلقات التستر، وتقليص حجم الخسائر الناجمة عنه، نتيجة تضييق الخناق على العمالة المخالفة، وعدم السماح لها بالعمل عند غير كفلائها.
6. ناهيك عن التخفيف من حدة الازدحام المروري، الذي بدا ظاهرة ملحوظة الآن في المدن الكبرى، وهذا التخفيف سيقود إلى تداعيات اقتصادية إيجابية نتيجة تخفيف الضغط على البنية التحتية.