قال الحكماء: «تَخرُج المِنَح من بطون المِحَن» وهكذا تتولد الفرص لمن يُحسن التعامل مع الأحداث؛ وقراءة المستقبل؛ ويتمتع بروح المبادرة والقدرة على اقتناصها. الأمر يشمل جميع جوانب الحياة المختلفة؛ بما فيها الاقتصاد وقطاعات الإنتاج؛ وبهذا يؤمن الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز؛ نائب وزير البترول والثروة المعدنية؛ الذي يعتقد أن تغيرات المشهد السياسي في الشرق الأوسط؛ وتدني درجة اليقين؛ «عادة ما يبرز الكثير من الفرص؛ وهذا الأمر ينطبق تماماً على قطاع الطاقة وصناعة البتروكيماويات في دول مجلس التعاون الخليجي».
لم يكن الأمير عبدالعزيز بن سلمان متحفظاً في كلمته التي ألقاها خلال افتتاح المنتدى السنوي الثامن للاتحاد الخليجي للبتروكيماويات؛ أسوة بغالبية مسؤولي النفط والغاز الذي يعتمدون غالبا على الإجابات الدبلومساية العامة للخروج بأقل الأضرار الإعلامية؛ بل التزم بطرح آراء صريحة وشفافة؛ اشتمل بعضها على نقد الذات وكشف جوانب القصور وطرق علاجها.
توقفت كثيراً عند قول الأمير عبدالعزيز بن سلمان: إن «التحدي الأكبر بالنسبة لنا جميعاً، حكومات، ومصنعين، هو كيف نحول إمكانات الشباب، ومواهبهم، إلى أصول تؤدي إلى تحقيق فوائد لاقتصاداتهم، ومجتمعاتهم، عوضاً عن تركهم عبئاً على الاقتصاد ونظم الرعاية الاجتماعية» وما يتطلبه ذلك من إحداث تغيرات هيكلية؛ و»تطوير نظام تعليم قادر على تزويد الخريجين بالمهارات المطلوبة في سوق العمل». أجزم بأن هدف التنمية الأول هو المواطن؛ فإن لم تنعكس على حياته الفكرية والمعيشية ومستوى دخله؛ واستقلاليته عن دعم المؤسسات الاجتماعية؛ فقد تفقد التنمية أهم أهدافها الرئيسة؛ ويتحول الإنفاق عليها إلى هدر يستنزف أموال الدولة دون أن يسهم في تنمية الفرد والمجتمع والاقتصاد الوطني؛ إلا أن العلاقة التكاملية بين الحكومة والمصنعين من جهة؛ وبينهم وبين الشباب من جهة أخرى؛ هي التي تحكم نوعية المخرجات وحجم الاستفادة من التنمية بشكل عام؛ وتنمية الفرد والمجتمع و الاقتصاد بشكل خاص.
أعتقد أن هيكلة التعليم تأتي في مقدمة الاحتياجات الوطنية العاجلة؛ فالقطاع الصناعي يعتمد على المهارة الإنتاجية وقياسها؛ والإبداع؛ والتطوير وهي أدوات لا تحققها مخرجات التعليم الحالي؛ مع بعض الاستثناءات للمؤسسات الأكاديمية الكفوءة.
الحكومة في حاجة لوضع إستراتيجية تعليمية متوافقة مع متطلبات المستقبل واحتياجات سوق العمل؛ شريطة تفعيلها على أرض الواقع. تجارب التعليم المحلي ليست مناسبة للعصر الحالي. لم يعد في الوقت متسع للفشل أو الانتظار؛ وكل يوم نفقده في مسيرة تطوير التعليم يعني تأخر الوطن عاماً عن ركب الحضارة والنمو والتقدم. طرحت غير مرة أهمية الاستفادة من التجارب العالمية في تطوير التعليم؛ وشددت على التجربة السنغافورية التي أصبحت من أهم التجارب الناجحة حول العالم.
نؤمن بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم القائل «اتبعوا ولا تبتدعوا» في شئون الدين؛ فلماذا لا نؤمن به في شئون العلم والابتكار وبما لا يتعارض مع الشريعة؟. الحكومة أيضاً مطالبة بتحديد حاجة سوق العمل؛ وتوجيه مخرجات التعليم نحو تلك الحاجة؛ وبما يضمن تلبية الطلب والقضاء على البطالة. أما القطاع الصناعي فعليه مسؤولية التدريب والتوجية واستيعاب الكم الأكبر من السعوديين. الأمير عبدالعزيز بن سلمان أشار إلى تحدي يواجه صناعة البتروكيماويات الخليجية وهو «توسيع نطاق التوظيف لآلاف الشباب الذين يدخلون سوق العمل سنوياً». قد تكون المخرجات غير مناسبة مع احتياجات القطاع؛ إلا أن عمليات التعليم والتدريب على رأس العمل تساعد في تعويض نقص المهارات؛ وتسهم في تنمية الموظف واتساع مداركه. واستشهد بشركة أرامكو؛ في بداية نشأتها؛ حين وظفت السعوديين اعتماداً على العمر لا مستوى التعليم ونوعيته وكفاءته؛ فقامت بتدريبهم وتعليمهم على رأس العمل؛ حتى أن بعضهم تعلم الكتابة والقراءة باللغة الإنجليزية وهو لا يُحسنهما بالعربية؛ فنجحوا ونجحت أرامكو في التنمية البشرية، المجتمعية، الإنتاجية؛ والاقتصادية، وكان من ثمرات عملها المسؤول والوطني؛ وزير النفط الحالي المهندس علي النعيمي؛ وكفاءات قيادية أخرى يشار لها بالبنان.
تحويل إمكانات الشباب إلى أصول ليس بالأمر الصعب؛ فالإرادة والعزيمة والإخلاص تدفع نحو تحقيق النتائج الإيجابية بإذن الله؛ إلا أن الأهم هو وجود الرؤية الواضحة؛ والإستراتيجية الملزمة؛ وتحقيق التكامل بين القطاعين الحكومي والصناعي؛ إضافة إلى التكامل المثمر بين وزارات الدولة وعملها كفريق عمل متجانس يسعى لإنجاح رؤية القائد؛ والإستراتيجيات المتفق عليها؛ وتحقيق هدف تحويل الشباب إلى أصول؛ من خلال التعليم والتدريب ونشر ثقافة الإنتاج.. عمل الوزارات الانفرادي؛ والمتضاد في بعض الأحيان؛ يتسبب في فشل الإستراتيجيات؛ وتفاقم المشكلات. ونكمل بإذن الله.