كتبت خطاباً إلى أحد المسؤولين في الجامعة تضمن شيئاً من الملحوظات والمقترحات حيال جوانب في العمل كانت تجول في خاطري منذ زمن.
لم أكن أطمح سوى أن يُحال إلى من ينظر فيه كي يستفاد من بعض ما فيه إن كان ثم ما هو جديد أو مفيد..
ولكن فاجأني المسؤول باتصاله الشخصي مرتين إحداهما لم أتمكن من الرد والأخرى هاتفني مستفتحاً بالثناء والشكر وتقدير كتابة مثل هذا الخطاب، ثم جرى حوار هادف راقٍ حول بعض النقاط في ذلك الخطاب لتوضيح ما تضمنه.
لست هنا بصدد سرد قصة وثناء مجرد، ولكنه موقف أعجبني ربما هو في بعض الحسابات معدودٌ في الطبيعيات والبدهيات وأبجديات الإدارة.
لكنه مع ذلك يندر وقوعه من كثير منا..
هل نحن نفرح بخطاب كهذا..؟!
ربما اعتبرنا كاتب الخطاب متتبعاً للملحوظات، فجرى تصنيفه ضمن تلك الزمرة (قائمة سوداء ...).
أما المقترحات فعلى كاتبها أن يبدأ بنفسه أولاً ويدع الآخرين، وعليه أن يكل الأمر إلى أهله فليسوا بحاجة إلى مقترحاته ...
فإن سلم كاتب الخطاب من كل ذلك فهيهات أن يحفل بتشجيع أو تقدير ، ولو أن يتصل به السكرتير ليشكره أو على الأقل ليبلغه بوصول خطابه.
ناهيك عن تقدير لمسته من المسؤول المشار إليه لم أكن أتوقع أن ينبه عليه حين يقول:
إن كتابة صفحات من الخطاب لا شك أنها أخذت جهداً منك ووقتاً وعصارة ذهن وأفكار..
حقيقةً إن كتابة خطاب إلى شخصٍ ما إنما هو في الحقيقة تقدير لذلك الشخص.
لكننا نحن نظلم أنفسنا حين لا نتعامل كما يتعامل النبلاء فتجدنا نضيق ذرعاً بأي خطاب حتى لو كان مجرد اقتراحات، ونعتبر طول الخطاب آيةً على مؤشرات سلبية خلافاً لمن يقدر ذاك الجهد..
وحتى في العتاب بين الأحباب يندر جداً أن نتعامل مع العتاب بأريحية فضلاً عما هو أرقى من ذلك ..
تجدنا نتشنج بمجرد قراءة أول سطر ثم نصاب بانعدام الرؤية الأفقية ثم نقرأ الأسطر بالمقلوب...
نحن مساكين حين نفعل ذلك فكأننا نقول لصديقنا المعاتب : لا نريد أن تكتب لنا عتابك سراً بيننا وبينك بل عليك إما أن تجاهرنا بالعداء والشتائم أو تنشر ما تريد على نطاقٍ أوسع، أو أن تقابلنا بالوجه المبتسم الذي يخفى وراءه القلب الأسود والنفس المشحونة والدعاء علينا كل حين.
مواقفنا أمام خطاب النقد أو الملحوظات أو المقترحات كألوان الطيف المتدرجة أسوقها بدءاً بالأفضل إلى الأسوأ:
1- شكر الكاتب، وتقدير جهده، ثم يأخذ الخطاب طريقة المناسب (يُحال إلى الجهة المختصة لدراسته -تكوين لجنة له - اتخاذ قرار بشأنه...الخ).
2 - شكر الكاتب وتقدير جهده.
3 - مجرد إشعار الكاتب بأن خطابه وصل.
أحيانا نعتبر الحالة الأخيرة هي الأفضل مقارنة بما يلي:
1 - إحالة الخطاب إلى (سلة المهملات أو الحفظ أو الدرج (المليء بالمخزون)..الخ، ويقف الأمر عند هذا الحد.
2 - كالسابق ولكن يجري تصنيف الكاتب.
3 - كالسابق مع تأنيب الكاتب بطريقة غير مباشرة.
4 - كالسابق مع تتبع الكاتب للنيل منه في أي حالة تقصير.
نصيحة: لا تكتب إلا لمن يقدر كتابتك فالأكثرون لا يقدرون ذلك.