تعلمك الحياة دروسا كثيرة أقساها عندما يأتي من الألم، في وقتها تجد انك ضائعا و خائفا وحزينا، ومكتئبا، تسأل لماذا عشت هذه التجربة المؤلمة؟ أو فقدت عزيزا، أو أخا، أو ابنا أو أشخاصا غالين عليك، أو عشت فقراً أو جوعاً أو تعرضت للإساءة والشتائم والألفاظ الجارحة في مواقف مختلفة في الحياة في وقتها لا تعرف لماذا؟
ستشعر بالألم والظلم، في هذا الوقت لن تستوعب ولن تفهم لماذا، تتلاعب بك تلك الأفكار السوداوية ويسيطر عليك الانتقام، ربما تهجر الدنيا ومن فيها، ربما تبكي كل يوم، ربما تصاب بالغضب وتسقطه على الآخرين، تعيش أوقاتا عصيبة متناقضة، لن تشعر بالوجود لن تشعر بذاتك لن تشعر بشيء سوء الألم والصدمة والغضب، لكن بعد مضي من الزمن قد يطول أو يقصر ستعرف ولأول مرة في حياتك لماذا خضت هذا المخاض الموجع الذي اعتصر قلبك وحياتك، ستعرف حقيقة واحدة هي ولادتك من جديد، ستتضح عندك أمور الحياة بعمق، الناس، والمواقف، الظروف، ستتعرف على سر وجودك، وماذا عليك فعله لنفسك وللآخرين، ستعرف سر الرسالة وهو وجودك في الحياة ليست لحظة عابرة وانتهت، وليس قدومك للحياة تكملة عدد، بل هو دور عظيم ينتظرك.
بعد هدوء تلك العواصف والمواقف ستعرف قدرتك أولا على الصمود والتحدي في وجه الألم، ليس بالكراهية أو الانتقام أو الغضب،بل بالحب، ستكتشف قدرتك على التحمل والصبر والقدرة على النهوض من جديد، قادر على العطاء والمساعدة، تكتسب الثقة في نفسك وتتعلم كيف تحاورها وتناقشها دون جلدها،من هنا ينطلق أول بذرة لحياة جديدة وبكورة النضج الحقيقي كيف تحب نفسك كيف تساعدها وتنتشلها من قاع الألم والضياع والوحدة، تفكر ثم تفكر ثم تحلل وبعد كل ذلك ستبدأ أول خطوات الأمل كلها ثقة وعزيمة ستترك بصمة في كل مكان تذهب إليه، ستتعلم كيف تكون إنسان محب ومعطاء،صادق، متأمل، وهنا تتعلم قيمة وحقيقة الوجود ومساعدة الآخرين ستلاحظ على نفسك حب الناس والابتسامة النابعة من قلبك، ستفاجئ انك تبتسم لكل المارة دون استثناء، للطفل، وللكبير، ستشاهد آخرين ظلوا الطريق يأسين محبطين ستتذكر كل آلامك لتركض سريعاً لنجدتهم واحتوائهم، لن تغضب مما أساء إليك، بل ستبرر أفعالهم بحسن النية وتعذر أخطائهم بقوة الحب والتسامح، وتحاول مساعدتهم بكل ما تستطيع، ستطبق قانون العطاء بحب ورضا، هنا بذات تعرف السعادة الحقيقية التي تنبع من الأعماق، سيكون قلبك حنون ومتسامح لكل من ظلمك، لأنك تعلمت ألا تكره أبداً، حينها تعرف انك تجاوزت الألم وتعلمت الحكمة وعرفت المسلك الصحيح، ستتوقف قليلاً لتتأمل الشجر، والطير، والبحر، ومواقف البشر حزنهم وفرحهم،ستتأمل الحروب والسلام، القوة والضعف، الصواب والخطأ، العقل والجنون، الفقر والغناء، ستعرف كل ذلك حينها لن تحزن،لن تبكي، ستفرح كم أنت فخور بذاتك بتواضع وحب، وأنك تجاوزت وقت المحن، وحان وقت العطاء، في هذا الوقت ستفرح.