لن أتحدث طويلا عن الفكر التكفيري الذي يعتنقه وليد السناني؛ فهو ليس بجديد علينا؛ ولا هو بأول من أطلق الأحكام بكفر الحكام والعلماء والكتاب، أو بالردة على البقية ممن يعمل موظفا عند الحكومة أو يحميها؛ كرجال الإعلام والجنود وغيرهم! لقد خبرنا هذا الفكر الأحادي المنغلق على نفسه خلال العقود الثلاثة الماضية عند نفر أفرزتهم أزمات المنطقة العربية والإسلامية وهوان المسلمين وغلبة وتسيد الحضارات الأخرى وتأخر العالم الإسلامي وتخلفه عن المشاركة أو الإسهام في قيادة العالم وبناء الحضارة المعاصرة؛ لقد انعكست الهزائم على العزائم، وارتدت الإحباطات العامة على الأوضاع الخاصة، وعاد مصاب وهوان الأمة على الأمة نفسها؛ وكأنه انتقام من الذات أو لون من المازوخية الفكرية أو أسلوب من أساليب الحيل الدفاعية النفسية؛ لئلا يفقد التكفيريون ذواتهم أمام شراسة وشراهة وفحش واستبداد الحضارات الأخرى ومثالية ونقاء وجمال وإنسانية الحضارة الإسلامية التي لم تعد سوى ذكريات نبيلة أشبه ما تكون بأحلام يقظة ماتعة! هو هذا الفكر الذي نظر له وبنى له قواعد وأركانا وأسقفا ثم طلاه بألوان زاهية لا تنطبق في كل الأحوال على كل الأحوال والأزمان والوقائع؛ نظر له قبل وليد السناني أئمة التكفير في العقدين الماضيين؛ أمثال: علي الخضير، وأحمد الخالدي، وناصر الفهد، وغيرهم، جامعين في تنظيرهم بين الأسس السلفية لأفكار اجتهادية في ظروف أزمات مرت بها الأمة وكان لبعض الفقهاء موقف ورؤية للخلاص من نير استبداد التتر أو الصليبيين؛ كقضية التترس، كما أفادوا من المنطلقات الحركية لبعض الجماعات الجهادية التي أنبتتها الصراعات مع الأنظمة السياسية العسكرية العلمانية في عدد من الدول العربية.
لم تكن مشاعر التعاطف من كثيرين من المغردين في الهاشتاقات التي أنشئت للدفاع عن وليد السناني كما يبدو إلا استجابة نفسية خفية لموقف الصمود أو العناد أو المازوخية أو الاستغناء عن الحرية بالقيد في مقابل الالتزام بالفكر مهما تبين له ما اعتوره من ضعف أو خلل أو سوء فهم أو عدم تطابق بين الحالة ومفهوم النص، ومهما عانى في سبيل ذلك من عذابات التوقيف والعزلة؛ فهو يقايض انتصار الفكر بإيذاء النفس والجسد! كان تفاعل المغردين في الهاشتاقات مع شخصية البطل الصامد أكثر من تفاعلهم مع شخصية المفكر المقنع الواعي المطلع المدرك لما يدور في محيطه السياسي والفكري القريب أو البعيد! لن يعجب أو يميل أو يقتنع بتكفير الحكام والعلماء والكتاب ورجال الأمن، والقطيعة مع العالم، والانغلاق على الذات، وحرمان الأبناء والبنات من العلم ووسائل الإعلام، وبتر الصلات المالية والاقتصادية مع حركة المال والاقتصاد الدولية إلا من يعانون من عته نفسي وعلة عقلية؛ قبل أن يُرد أمرُ تكفيرهم مَن حولهم أو مَن يختلف معهم في كبير أو في صغير إلى ثقافة منغلقة أو قصور وعي عميق أو قراءة غبية لحضارة الإسلام وتاريخه العظيم! إن الدولة تريد أن تحمي الناشئة والعوام وأنصاف أو أرباع القراء وهواة الاطلاع على العناوين من أمثال هؤلاء التكفيريين الذين يلبسون على الناس أمور دينهم، وقد يسحبون خلفهم طوابير من الأتباع المغرر بهم؛ فعزلتهم ليتقي المجتمع شرهم، ولحمايته مما سينتج عن تنشئة مريدين مندفعين؛ يؤمرون فيأتمرون، ويوعز إليهم فلا يترددون في ارتكاب أية جريرة باسم الجهاد أو الذب عن الفضيلة أو حماية بيضة المسلمين! والدولة أيضا وهي تفضح عوار هذا الفكر وأحاديته وشططه عن جادة الاعتدال تريد أن تقول بأسلوب غير مباشر: هذا هو النموذج المكشوف لمن تردد بأسمائهم افتراءات التعذيب والتضييق في المعيشة والدواء والزيارة؛ هذا واحد من مئات من التكفيريين تفتح لهم أبواب الحرية مقابل العودة عن ضلال التكفير فيأبون إلا التمترس بمفهوماتهم الضيقة للنصوص وبوعيهم القاصر في التطبيق.
لقد كشف الحوار كم يمكن أن يخلق السجن أبطالا من ورق؛ فهل يمكن أن يقود هذا الفكر المنغلق الانعزالي مجتمعا متحضرا متواصلا مع العالم؟!