تشير التغييرات الإدارية في بعض بنوك الاستثمار الإسلامية الشهيرة بالخليج إلى بداية جديدة للقطاع الذي يجتاز تداعيات الأزمة المالية العالمية باعتماد أقل على الديون وطموحات أكثر واقعية. ورغم أن البنوك الإسلامية التي تركز على خدمات الأفراد نجحت عموماً في تجاوز الأزمة المالية، فإن كثيراً من بنوك الاستثمار الإسلامية التي اعتمدت على المشروعات الكبيرة والاستدانة العالية عاشت فترات عصيبة. وكان بنكا أركابيتا وبيت التمويل الخليجي البحرينيان مثالاً على طموح بنوك الاستثمار في المنطقة؛ إذ استخدما الديون بنسب مرتفعة جداً لتمويل خطط استحواذ، وحقق البنكان معاً أرباحاً بلغت 1.3 مليار دولار في 2007 و2008. لكن الأزمة المالية كشفت أن الهياكل المالية الإسلامية لم تكن حائط صد أمام تراجع أسعار الأصول، وتكبد البنكان خسارة قدرها 1.73 مليار دولار في 2009 و2010؛ ما اضطرهما إلى إعادة هيكلة النشاط.
بعد أن اجتازت الأزمة المالية العالمية وإعادة هيكلة الديون المحلية في السنوات القليلة الماضية، تتوسع البنوك الخليجية إقليمياً، وتطرق أنشطة جديدة كانت تقتصر من قبل على البنوك العالمية. وكان تباطؤ الأنشطة المصرفية في المنطقة وعمليات إعادة الهيكلة الكبيرة للكيانات الحكومية قد كبح الأرباح في بداية العقد الحالي مع قيام البنوك بتجنيب مليارات الدولارات لتغطية خسائر القروض وتوخي الحذر في التمويل.
يقول عصام الجناحي مؤسس بيت التمويل الخليجي إن الأزمة المالية العالمية غيَّرت قواعد اللعبة بعيداً عن المشاريع الضخمة، وأصبحت الميزانيات الأصغر حجماً محل تفضيل عن ذي قبل. واستقال الجناحي مؤخراً من رئاسة مجلس إدارة البنك بعدما قضى فيه 14 عاماً.
وقال الجناحي الذي ما زال ثاني أكبر مساهم في البنك بحصة 5.73 في المئة بعد أن كانت يوماً 25 في المئة: «انظر إلى ميزانيتك وإلى تصنيفك، فإن كانت لديك سيولة وكانت الناس يثقون بك فسوف يستثمرون لديك».
وخفض بيت التمويل الخليجي الآن خصومه إلى 223 مليون دولار بعدما تجاوزت الملياري دولار في أوج الأزمة المالية، وشرع في تطبيق استراتيجية أكثر تحفظاً.
وقال الجناحي إن الاستثمارات ستنأى في المستقبل عن السعي وراء عوائد مبالغ فيها، وستكون الصفقات الصغيرة أفضل من أجل إدارة أفضل للمخاطر.
وأضاف «الصفقة الصغيرة التي تبلغ قيمتها 50 مليون دولار مثلاً يسهل تنفيذها».
أما بنك أركابيتا الذي تأسس عام 1997 فشارك في مجموعة صفقات قيمتها 28 مليار دولار. وعجز البنك عن إعادة تمويل قرض إسلامي قيمته 1.1 مليار دولار، كان مستحقاً عام 2012؛ فطلب الحماية من الدائنين أمام محكمة في نيويورك في مارس آذار من العام الماضي، ووضع خطة مدتها خمس سنوات لبيع أصول لدفع مستحقات الدائنين.
وسيدير مجلس الإدارة السابق لأركابيتا شركة جديدة هي إيه.آي.إم جروب، تتولى إدارة بيع أصول البنك السابقة والبحث عن صفقات جديدة في مجالات اللوجستيات والتعليم والرعاية الصحية.
وقال عاطف عبد الملك مؤسس أركابيتا ورئيسه التنفيذي: «خضنا معركة كبيرة، بعضها معلن، وبعضها غير ذلك. لكن الحل النهائي كان أفضل طريق لتعزيز القيمة وآلية متوازنة لعمل ذلك».
وأضاف عبد الملك بأن الشركة تسعى للاستثمار عبر صناديق وآليات أخرى، وتستهدف تحقيق عائد ثمانية في المئة في المنطقة.
وقال إن صفقات الاستحواذ يمكن تمويلها بالديون، لكن بنسب مختلفة عما سبق بحيث لا تتجاوز نسبة الديون حصص الملكية مقابل 3.5 مثل قبل الأزمة المالية.
وحتى بعض بنوك الاستثمار الإسلامية التي خرجت من الأزمة المالية في أوضاع مريحة نسبياً عدلت أنشطتها، وتقول إنها لن تغلق بابها أمام الصفقات الصغيرة نسبياً.
وقال بنك كيو انفست القطري إنه سيركز على ثلاثة أقسام أعمال رئيسية، هي الأنشطة المصرفية الاستثمارية وإدارة الأصول واستثمار رأسماله مع العمل عن كثب مع مصرف قطر الإسلامي المساهم الرئيسي بالبنك.
وقال تميم الكواري الرئيس التنفيذي الجديد لكيو انفست، الذي تسلم منصبه العام الماضي، إنه أعاد هيكلة أنشطة البنك، وخفض عدد خطوط الأعمال، وإن البنك تخارج من قطاعات كإدارة الثروات وخدمات الوساطة.
وأشار مايكل كاتوناس مدير الأنشطة المصرفية الاستثمارية في البنك، الذي تسلم منصبه في إبريل/ نيسان، إلى أن البنك منفتح على الصفقات متوسطة الحجم.
وقال: «إن كنت تنتظر صفقة قيمتها بين 10 مليارات و15 مليار دولار من المنطقة فسيطول انتظارك. هناك فرص كافية في مضمار الصفقات المتوسطة».
لكن بفضل تعافي اقتصاداتها المحلية ومراكزها الرأسمالية القوية تضع البنوك الآن خططاً للتوسع الإقليمي وكسب حصة من أنشطة مثل خدمات استشارات الديون والأنشطة المصرفية الخاصة وأعمال السمسرة التي كانت تخضع من قبل لهيمنة البنوك الغربية. وأتاحت الأزمة فرصة للبنوك الخليجية مع قيام البنوك الغربية بتقليص عملياتها الإقليمية للتركيز على إصلاح ميزانيات وحداتها المحلية والوفاء بمعايير عالمية أشد صرامة لرؤوس الأموال والسيولة بموجب قواعد بازل 3، وهي مهمة أسهل بكثير للبنوك الخليجية الغنية بالسيولة. وقال ريك بودنر الرئيس التنفيذي لبنك الإمارات دبي الوطني لرويترز: «اللاعبون الكبار ما زالوا حاضرين هنا بقوة، لكن حتى هم لديهم مشاكل شتى، ويدرسون أين يمكن أن يقلصوا أنشطة معينة؛ وهو ما أعطى فرصة للبنوك المحلية». ويتوقع بنوك رئيسية عدة في المنطقة نمو الأرباح نحو 20 في المئة أو أكثر هذا العام، مع تعزز ميزانياتها بفضل الإنفاق الحكومي على البنية التحتية والرعاية الاجتماعية، ومع تحقيقها مزيداً من دخل الرسوم بفضل إيرادات جديدة. وحقق بنك بروة الإسلامي قفزة 85 في المئة في صافي ربح النصف الأول من 2013، ويتوقع استمرار النمو السريع مدفوعاً في الأساس بمشاريع للبنية التحتية قيمتها مليارات الدولارات في قطر، ونمو أعمال استشارات الديون وإدارة الأصول. وقال ستيف تروب الرئيس التنفيذي للبنك «استثمرنا بكثافة في قدرات أسواقنا.. في الدخل الثابت وأنشطة إصدار الصكوك في الأسواق المالية الإسلامية والصرف الأجنبي وأنشطة السوق عموماً». وساعد البنك في ترتيب صكوك لأجل خمس سنوات بمليار دولار للبنك الإسلامي للتنمية هذا العام. وفي غضون ذلك، من المتوقع أن يتسارع نمو صافي ربح البنوك التجارية في الإمارات العربية المتحدة إلى نحو 20 في المئة في 2013، حسبما قال رئيس اتحاد مصارف الإمارات في سبتمبر. وحتى البنوك الصغيرة مثل بنك الفجيرة الوطني تستفيد من النمو الاقتصادي في الإمارات؛ إذ قد يفتح البنك مكاتب لتمويل التجارة في إفريقيا بعد تأسيس وحدة للاستشارات المالية في المنطقة المالية الحرة لدبي هذا العام. ومن النتائج المهمة لانتعاش القطاع المصرفي في المنطقة تجدد الإقبال على عمليات الاستحواذ بين البنوك الخليجية التي تريد الحد من اعتمادها على أسواقها المحلية.
وفي خارج الخليج ينصب التركيز على الأسواق الناشئة (باقي العالم العربي وتركيا وإفريقيا وأجزاء من شرق آسيا) لا الأسواق المتقدمة بطيئة النمو في أوروبا والولايات المتحدة. ويتطلع بنك الإمارات دبي الوطني، أكبر بنوك دبي، إلى أهداف استحواذ في تركيا؛ إذ يطمح إلى تحقيق 20 في المئة من إيراداته من الأسواق الخارجية في غضون خمس سنوات ارتفاعاً من مستوى ثمانية في المئة الذي قال بودنر إنه حققه بعد شراء الأنشطة المصرية لبنك بي.إن.بي باريبا العام الماضي.
واشترت بنوك كبيرة مثل بنك QNB أصولاً مصرفية في مصر وليبيا والعراق على مدى العامين الأخيرين طامحة إلى تحقيق حضور عربي واسع. وبالنسبة للبنوك غير الراغبة في خوض مسار الاستحواذ فالنمو الذاتي خيار مطروح بقوة. ويعتزم بنك أبوظبي الوطني الذي يعمل في 14 بلداً بأصول قيمتها نحو 100 مليار دولار التوسع في مدن من شرق الصين إلى غرب إفريقيا في إطار مسعى لتعزيز حضوره في الأسواق الناشئة، حسبما ذكر الرئيس التنفيذي الجديد للبنك في تصريحات إلى الصحفيين الأسبوع الماضي.