إذا كان الولاء للدين يأتي أولاً فإن بعد هذا الولاء يأتي الولاء للوطن. إن الانتماء والولاء للوطن قبل أن يكون سلوكاً حضارياً فإنه ولا شك مطلب دينيّ.. وقد قيل إن حب الوطن من الإيمان. والرسول صلى الله عليه وسلم يوم أخرجه قومه من بلده - مكة - مكرهاً صعد على قمة جبل من جبال مكة وقال كلمته المشهورة (لو أني لم أُخرج لما خرجت منك وإنكِ لأحب الأوطان إلي) إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم ذهب يكن الولاء لوطنه ويقدسه ويفصح عن محبته له فحريّ بنا أن نسلك هذا السلوك في حب الوطن.. إذاً فيجب أن لا يكون هناك صوارف تصرفنا عن الانتماء للوطن بأي حال من الأحوال.. وإذا كان الإنسان وُجد ليناضل من أجل عقيدته فإنه كذلك يجب أن يناضل من أجل وطنه.. وإنه لخليق بنا أن لا يشغلنا عن وطننا أي شاغل ولا يصرفنا عنه أي صارف البتة.. إن يوسف عليه السلام عندما أراد أن يأتي بأهله إلى مصر ذهب يعبِّر عن وطنه من مقومات الانتماء للوطن وهو الأمن قال الله تعالى على لسان يوسف {ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ} قد يظن القارئ الكريم أن هذا النص ليس دليلاً على ما أنا في سياقه - كلا- إنه الدليل بعينه؛ فيوسف عليه السلام ذهب يمجّد وطنه ولم يمجّد المقومات التي يمتلكها آنذاك وهي الملك كأن يوسف عليه السلام يقول حب الوطن ينسينا ما سواه من مجد. وأن الانتماء للوطن يجب أن تكرّس مفاهيمه عند الناشئة وأن يرضعوا حبه مع حليب أمهاتهم.. ولن يتأتى ذلك إلا إذا كرّس خطيب الجمعة والمعلّم والمحاضر هذا الانتماء. على أن الانتماء للوطن يكون في الحفاظ على مقدراته والذود عن حياضه والدعاء له بالبقاء سالماً من عدو غاشم أو حسد حاسد أو كيد كائد.. كما أن حب الوطن والذود عنه دائماً تجسده خطب ولاة أمرنا حفظهم الله تعالى أليس ولي أمرنا ما فتئ يقول (اثنتان لا مساومة فيهما الدين والوطن) إن راية الوطن يجب علينا الانضواء تحتها وكل راية سواها لا يُلتفت إليها.