قيل لي إنه في اجتماع يختص بجماعة ما، عرض أحدهم ورقة تنظيمية على كبار جماعته، ضمنها بعضَ ما ينبغي السير وفقه في تصريف مناسبات الزواجات، التي خرجت عن إطارها الصحيح، وأخذت أشكالا من المبالغة والتبذير والإسراف، بإملاء من عشاق المظاهر، وتحت ضغط «البرستيج» وخشية نظرة الناس ظنا منهم أن ترشيد المناسبات وتواضعها سيقلل من نجاحها وحجم فرح أصحابها، فماذا كان رد فعل جماعة ذلك الرجل ؟ كان الترحيب من بعض الجالسين يشوبه شيء من الصمت والحيرة لا لعدم قناعتهم؛ لكنهم يعلمون أن إدارة المناسبات قد خرجت من تحت أيديهم وأصبح من يديرها، نساؤهم وبناتهم، أحدهم كان أكثر جرأة حين قال «قبل أن نوقع عليها بالموافقة، ادخلوها على النساء فإذا وافقنّ على ماجاء فيها، فليس لدينا مانع!!» إلى هذا الحد بلغت ببعض الرجال في التخلي عن إدارة مناسبات الزواجات، وتركها للنساء فأصبحت لا تطاق بكلفتها وطقوسها التي دخلتها، وتنظيماتها التي لم يعرفها جيل الأمس، حتى أصبحت حفلة الملكة أو الخطبة وكأنها ليلة الزواج، أما حفلة الزواج فقد تحولت إلى مهرجان عجيب، هذه المبالغة جعلت بعض العقلاء داخل كل أسرة، وفي كل منطقة، يهجرون المناسبات ولولا الحياء ورغبة القيام بالواجب لما حضروا، ولاكتفوا بأداء ماعليهم من واجب بالطريقة التي يرونها لحفظ ماء وجههم، فما الذي حدث؟! لقد كان الناس إلى عهد قريب لا يشتكون إلا من المبالغة في المهور ! اليوم لم تعد المشكلة مشكلة مهمور لأن كثيرا من الأسر والقبائل حلّوها باتفاقات قبلية وأسرية! لقد أصبحت القضية قضية مظاهر، فعلى سبيل المثال وصل ببذخ كثير من الأسر إلى أن (دعوات الزواج التي كانت من الورق، أصبحت تعد من الخشب والألومنيوم، وأصبحت كوشات العروس تشترى بآلاف الريالات لسيلة واحدة، ودخلت تفاصيل في ليلة الزواج كالعروض المرئية وكأن الحاضرات على موعد من العروض السينمائية، وأجبرت الأسر على إحضار طبالات بآلاف الريالات، والمبالغة في المناسبات أدت إلى ظهور فرق نسائية للخدمة، وأصبح شرط السفر السياحي لشهر العسل إلى إحدى دول الشرق الآسيوي يفرض على العريس وإلا سيكون الفرح ناقصا) وغير ذلك، هذه الطقوس أصبحت عبئا ثقيلا يواجه العقلاء من الأسر والقبائل في كل منطقة والذين وقفوا حائرين أمامها وتزايدها مفاخرة وتمظهرا ليس أكثر، وإن كانت تطرب عشاق المظاهر وتلقى ترحيبا من بعض الرجال والنساء اللاتي سيصرخنّ في وجوه الرجال إنلم يقوموا بما يردنّه «وسيقلنّ ماذا تريدون الناس يقولون عنّا؟ وهل نحن أقلّ من غيرنا؟ وما تشوفون آل فلان إيش سووا وفين راحوا وماذا عملوا؟» ومن هذه الأقوال التي تستنفر جيوب الرجال؛ إلا أن قضية المبالغة في حفلات الزواجات تحتاج إلى عقلاء كل أسرة، حكماء كل قبيلة في كل منطقة، (للحد من التفاصيل الدخيلة والطقوس المكلفة) التي لم تعرف من قبل وأصبحت تثقل كاهل الأسر، بل تدخلهم أصبح أمرا حتميا لتنظيم مناسبات الزواجات وكذلك مناسبات الأعزية التي هي الأخرى خرجت من إطارها الذي كان يجب أن يحيط بها كمناسبة عزاء لا عزائم، فنحن في وقت يحتاج الأمر فيه إلى تعقل وترشيد، ونحن نرى ما يحيط بالعالم من حولنا، من الخطأ أن يكون هذا تخطيطنا لكثير من مناسباتنا بما فيها مناسبات العزاء التي تحولت إلى عزائم ومنافسات على إقامتها مخالفة لما ورد في السنة المحمدية ثم نسمع من يطبل «الراتب ما يكفي الحاجة».