(50) رقم يخيف النساء ويقض مضاجعهن فما أن يقترب عمر الواحدة منهن من هذا الرقم حتى تستبد بها الهواجس وتراودها الظنون! كيف سيكون شكلي؟ كيف أحافظ على جمالي؟ ما أفعل لأظل موضع اهتمام زوجي؟ هذا القلق وتلك الظنون استثمرها كثيرون في ترويج أوهام للمرأة من أجل المحافظة على شبابها بعد هذا السن، لكن قد لا تعرف الكثيرات أن الحياة تبدأ بعد الخمسين، حيث يؤتى تعب السنوات الماضية أكله ويكبر الأبناء، وتصقل الخبرات.
في إحدى البلدان العربية أجري بحث ميداني على عينة من الأمهات وبناتهن تبين أن الفارق بين الأم وابنتها 5 سنوات، فكل الأمهات في عينة البحث أخفين أعمارهن الحقيقية، ويقال - على سبيل السخرية - إن عمر المرأة لا يزيد على ثلاثين عامًا مهما عاشت.
فالمرأة الجادة التي استغلت شبابها في أمور مفيدة ستجد نفسها وهي في الخمسين تجني ثمار جهودها سواء كان ذلك نجاحًا مهنيًا أو مكانة علمية، حتى المرأة التي ليس لها نصيب كبير من العلم والثقافة إذا تفانت في تربية أولادها وخدمة زوجها ستجد في أولادها ما يملأ عليها دنياها من أبناء صالحين يبرونها ويتسابقون في خدمتها والتماس رضاها، ويجعلونها ملكة في عائلتهم الكبيرة، سترتبط معهم ومع أولادهم بعلاقات اجتماعية قوية، وسيكون أمام المرأة متسع من الوقت لتقوية إيمانها مرات عديدة.
نعم هناك نساء يعانين في هذا السن ولا يجدن لأنفسهن مكانًا دافئًا كي يعشن في جو أسري حميم، فتكثر حولهن المشكلات وتزداد معاناتهن النفسية - لكن كما قلت - النقطة الفاصلة في الأمر هي أن كل امرأة تحصد ما زرعته في سابق عمرها، فإذا كانت قد عملت على إقامة حياة أسرية محترمة مع زوجها وأولادها، فسوف تجني ثمار ذلك، وهناك أزواج يزداد ارتباطهم ببعضهم البعض كلما تقدموا في العمر.
إن عطاء المرأة بعد الخمسين أكثر من مشكلاتها، فمعظم القائمين على العمل الاجتماعي والخيري نساء تجاوزن الخمسين، ويتفرغن للعمل الإسلامي من خلال حفظ وتحفيظ القرآن الكريم للصغار، والاهتمام برعاية الأيتام وغيرهم. ورائدات المساجد والجمعيات الخيرية نساء في هذه السن قد سخرن وقتهن لخدمة المجتمع وقضاء حوائج الناس، وهذا نموذج من أروع وأجلّ النماذج النسائية المسلمة في هذا العصر، أنموذج فذّ فريد يذكرنا بالصحابيات الجليلات في تفانيهن من أجل دين الله ورفع راية الإسلام خفاقة عالية، إنها «زينب الغزالي الجبيلي» امرأة أصلب معدنًا من رجال كثيرين، لها طبع جريء وصراحة غلابة وإخلاص عميق فهي تعد تجربة رائدة في ميدانها، عرفتها القاهرة من نصف قرن داعية قديرة ومدرسة ناشطة ومجاهدة مثابرة، سافرت إلى السودان والإمارات والجزائر والأردن والكويت والهند والباكستان وإسبانيا وإنجلترا وأمريكا وفرنسا لنشر الدعوة من خلال الندوات والمحاضرات واللقاءات التي تعلم المرأة المسلمة واجباتها تجاه دينها ودنياها. لقد أمضت الداعية «زينب» في حقل الدعوة ثلاثة وخمسين عامًا وكتب عدة كتب منها «أيام من حياتي» «نحو بعث جديد» «لغريزة المرأة» وأخيراً أتمت من سنوات تفسير القرآن الكريم.
فالمرأة في هذه المرحلة من العمر تحتاج إلى نظرة تفاؤل إلى الحياة كي تسترد حيويتها، وتحتاج إلى العناية بمظهرها والتجديد في أسلوب حياتها، كي لا تعاني من «أزمة منتصف العمر» لما يحدث فيها من عراك بين حيوية الشباب ومقدمات الشيخوخة.