خمسة عشر عاماً مرت بالتمام والكمال على رحيل إمام عصر، ومحيي السنة، سماحة الشيخ العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - رحمه الله - رئيس هيئة كبار العلماء، ورئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، كل هذه السنوات الطوال لم تمح اسم الشيخ عبدالعزيز بن باز من ذاكرة وقلوب محبيه، وما أكثر المحبين له من داخل المملكة وخارجها.
لقد بقيت محبة هذا الرجل خالدة في نفوس الناس لم يمحها الزمن ثابتة وراسخة إذا ذكر الخير ذكروه، وإذا ذكر العلم أثنوا عليه، وما زالت آثاره العلمية والعملية باقية يقطف الجميع ثمارها، وعلى الرغم من أن المؤلفات العلمية التي كتبها الشيخ ابن باز لا تزيد على الست عشرة رسالة فقط إلا أن له آثاراً أخرى تتمثل في الدروس العلمية التي فرغها طلبته وتلاميذه وكذلك الفتاوى، والتي خرجت جميعها في مجلدات لتبقى بإذن الله من العلم الذي ينتفع به، وهذه الرسائل والدروس حظيت بالقبول وتم توزيعها ونشرها باللغة العربية وترجمتها لعدة لغات مما ضاعف في أعداد المستفيدين لها، وإذا كان زمان الشيخ -رحمه الله- لم يظهر فيه وسائل التقنية الحديثة من أجهزة تقنية وحاسوبية ووسائط اتصال إلا أن المهتمين بعلم الشيخ ودروسه أسهموا في نشرها صوتياً ومطبوعة، كما كان لمؤسسة الشيخ عبدالعزيز بن باز الخيرية سهم في ذلك، مما ضاعف في انتشارها والاستفادة منها ليزيد رصيد المحبين له ممن لم يعاصروه. وفي حياة الشيخ ابن باز وبعد وفاته مباشرة وحتى يومنا هذا ما زال الشيخ يذكر فيشكر، ويدعى له ويشاد بما قدمه. رثاه الصغير والكبير الغني والفقير والمواطن والأمير والقريب والبعيد والموافق والمخالف له، بل إن ما صدر من كتب وتراجم عنه أصبح بالعشرات إن لم يكن بالمئات، يضاف على هذه الدعوات والذكر الطيب مع ما أوقف للشيخ وما تصدق عنه من قبل المحبين والمحسنين، ولا يسع المقال والمقام لذكر مناقب الشيخ ومكانته.
لقد كان خير معين للفقراء والأيتام والأرامل والمساكين يحنو عليهم، ويسعى لسد عوزهم وفقرهم وحاجتهم بما يملك من جاه، أو ما تحت يده من مال، ويفتح قلبه وصدره لهم قبل فتح باب بيته الذي لا يغلق في الأساس صباحاً ومساءً لكل ضعيف وذي حاجة وصاحب مصلحة دينية أو دنيوية، وكان يحمل هم هؤلاء الضعفاء، وينقل معاناتهم لأهل الإحسان واليسر، فيلقى بإذن الله القبول والمساندة للثقة الكبيرة.
وفي نصرة دين الله والحرص على الدعوة إلى الله فقد كان - رحمه الله - عالماً عاملاً معلماً وداعياً إلى الله وقدوة لطلاب العلم، له أسلوب المتميز بعلمه بالحديث والفقه، والعناية بالدليل، والحرص على الرجوع للأدلة، والتمسك بالكتاب والسنة، والأدب مع المخالف في المسائل العلمية أو في غيرها، وكان في كل مجالسه لا يفتر عن ذكر الله - عز وجل - والتذكير والنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يضاف إلى ذلك كله سلامة الصدر ومحبة الخير للغير، فكسب محبة الجميع من الولاة والرعية «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء»، كان عالي الهمة يعمل ليلاً ونهاراً في سبيل الدعوة إلى الله، وإرشاد الناس، في السيارة تُقرأ عليه المعاملات أو مسألة من المسائل، وعلى الهاتف يجيب السائلين من مستفسرين أو طالبي الحاجات، وكانت معاملته مع الجميع سهلة لينة ما إن يختم السلام والتحية والسؤال عن الحال إلا ويعقبها بالدعاء لمن سلم عليه، أو استفسر منه كان - رحمة الله - يحمل لساناً صادقاً وقلباً مخلصاً يفيض بالحب والإيمان.
خاتمة:
اللهم اغفر لشيخنا عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، وارحمه، واعف عنا وعنه، ووالدينا وموتانا وموتى المسلمين، اللهم ارفع درجته في عليين، وأصلح عقبه وافسح له في قبره، وارزقه الفردوس الأعلى من الجنة.