طالب أكاديمي متخصص في الدعوة والاحتساب عموم المدينين بسداد الديون التي عليهم وعدم المماطلة في ذلك، وألا يتساهلوا في قضاء الدين والوفاء به، وأن يبادروا فيما يبرئ ذممهم، ويردوا الحقوق إلى أصحابها في أسرع وقت، وبأحسن حال، ومن غير منًّ ولا أذىً، مبيناً أن دوافع الدائنين هو الوقوف مع المحتاج والسائل، والنظر إليه بعين الرأفة والرحمة.
واستهل الدكتور أحمد بن علي الخليفي الأستاذ المشارك بالمعهد العالي للدعوة والاحتساب حديثه لـ»الجزيرة» بالقول: إن الدين الإسلامي عظيم في أحكامه، وعظيم في توجيهاته وتعليماته، شرّع العلاقات بين الناس، وبيّن أحكامًا في التعاملات، ومن حكمة خلق الله أن جعل الناس يحتاج بعضهم لبعض، وفضّل بعضهم على بعض، ومن عظيم تعاليم الإسلام أن شرع الأخلاق الحسنة ونهى عن الأخلاق المذمومة، وحثّ المسلمين على التحلي بمعالي الأمور ونهى عن سفاسفها، ورتّب الأجور العظيمة والآثار المتعدِّدة على من تحلى بمعالي الأمور في علاقاته ومعاملاته، وفي الحديث (من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه)، فالأحاديث الشريفة تحثّ على الوقوف مع الآخرين في أزماتهم وحاجاتهم، وهنيئًا لأولئك الذين يحتسبون ذلك ليحوزوا الأجور العظيمة، ولا شكَّ أن دافع البعض من الناس حينما يقف مع أخيه أو قريبه أو زميله أو جاره أو غيرهم، هو الوقوف مع المحتاج والسائل، والنظر إليه بعين الرأفة والرحمة، ومع هذا الوفاء وتلك النخوة والشهامة من قبل أهل الإحسان والجود إلا أننا نجد للأسف صنفاً من الناس لا يأبهون بمن وقف معهم، ولا يرعون حرمة المال والخلق، فتجدهم يماطلون بالحقوق ويؤخرونها، وربما ينكرونها، وقد جاء في الأثر التحذير ممن لا يريد تأدية الحقوق ففي الحديث: (مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ)، ونجد أن التعبير بالنص جاء بكلمة (يريد) دلالة على أن مجرد الإرادة فقط لها أثرها الإيجابي أو السلبي.
وواصل الدكتور أحمد الخليفي قائلاً: ومما جاء في التحذير من عدم سداد الدين أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم امتنع من الصلاة على من عليه دين حتى يقضى عنه دينه، فعن جابر رضي الله عنه قال: تُوُفِّيَ رَجُلٌ فَغَسَّلْنَاهُ وَحَنَّطْنَاهُ، ثُمَّ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَخَطَا خُطى، ثُمَّ قَالَ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟، قُلْنَا: نَعَمْ دِينَارَانِ قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ. فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَيْنُهُ عَلَيَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هُمَا عَلَيْكَ حَقُّ الْغَرِيمِ وَبَرِئَ الْمَيِّتُ، قَالَ: نَعَمْ. فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ لَقِيَهُ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا مَاتَ أَمْسِ ثُمَّ لَقِيَهُ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ؟،فقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ قَضَيْتُهُمَا فَقَالَ: الآنَ بَرَدَّتْ عَلَيْهِ جِلْدَهُ، وفي الحديث (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه).
وانتهى فضيلته، داعياً الذين يتساهلون في قضاء الدين والوفاء به بأن يحذروا من مغبة التساهل أو المماطلة في قضاء ديونهم، كما عليهم أن يبادروا فيما يبرئ ذممهم، ويردوا الحقوق إلى أصحابها في أسرع وقت، وبأحسن حال، ومن غير منًّ ولا أذىً، فالذي يصنع المعروف يستحق الدعاء، ويستحق رد الجميل، وهذه هي أخلاق الكبار وفي الحديث (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه).