الذين يأخذون بالنهج الميكافيلي لا مانع لديهم من التعامل مع الشيطان بل وصداقته، وأكثر من ذلك التحالف معه لتحقيق مصالح مشتركة وقتية وحتى بعيدة المدى، ولإيران بعد تسلّم الملالي السلطة لهم باعٌ طويلٌ في تجسيد هذا النهج، فالخميني عقد اتفاقًا مع ممثل الشيطان الأكبر رونالد ريغان، وقبل تسلَّم السلاح من الشيطان، ووريثه خامنئي عقد صفقات مع الشيطان الأكبر ومتعاملين معه من أجل تقاسم السيطرة على العراق وأفغانستان، ومثلما وضع الخميني يده في يد ريغان، ومد خامنئي يده مرتين لبوش الابن، مرة لتقاسم احتلال العراق، ومرة أخرى لتسهيل احتلال أفغانستان، إذن التفاهم مع الشيطان الأمريكي متواصل، فالرئيس الأمريكي أوباما لا يجد غضاضة في التعامل مع أحد أركان الشر طالما يحقِّق لأمريكا وحليفتها إسرائيل مصلحة في ذلك، أما ما هي المصلحة المتوخاة في ذلك؟ فهي ما عجز حلفاء أمريكا أن يرونه بالرغم من أنهَّم ما زالوا يسيرون خلف لهاثها بالتعامل مع الشيطان.
لأمريكا عددٌ من الحلفاء والأصدقاء، وكلٌّ له درجة من القرب والحظوة، فإسرائيل تُعدُّ الحليف الأوثق والأقرب والأجمل وهي ليست حليفًا فقط، بل مصالحها مقدمة حتَّى على مصالح أمريكا.
بعد إسرائيل تأتي الدول الغربية في درجة التحالف، وحتى الدول الغربية لمستوى التحالف مع أمريكا درجات، إِذْ إن مستوى العلاقة والتحالف مع بريطانيا ليس في مستوى فرنسا ولا حتَّى ألمانيا؛ لأن السياستين البريطانية والأمريكية شبه متطابقتين، وهناك اختلاف في وجهات النظر بين باريس وواشنطن في بعض القضايا والموضوعات، كما أن الأمريكيين لا يتعاملون مع الألمان بنفس قوة التحالف مع البريطانيين، ولذلك فإنَّ الأمريكيين يتجسسون على القيادة الألمانية.
وهناك درجات أدنى من التحالف هي في الحقِّيقة أعلى من الصداقة تعزَّزها المصالح، وبقدر ما يستفاد الطرفان من هذه المصالح لتعزِّز درجة الصداقة التي تصل إلى مستوى التحالف، وهو ما نراه في علاقة أمريكا باليابان وكوريا الجنوبيَّة وأستراليا.
أما العلاقة الأمريكية بالدول العربيَّة فلا يمكن أن نصفها بالتحالف؛ لأن هناك تعارضًا وتضادًا بين المصالح العربيَّة ومصلحة الحليف الأول والأهم لأمريكا في المنطقة العربيَّة ونعني به الكيان الإسرائيلي.
إذن بماذا نصف العلاقات الأمريكية العربيَّة؟!
الإجابة القريبة من الواقع، هي علاقات صداقة مبنية على تبادل المصالح، وخصوصًا بالنسبة للأمريكيين الذين تخلوا منذ زمن بعيد عن الدفاع عن المبادئ والقيم الإنسانيَّة التي نادى بها المؤسسون الأوائل للولايات المتحدة، وهكذا كُلَّما تعزَّزت المصالح الأمريكية وقبلها المصلحة الإسرائيليَّة ارتقت الصداقة الأمريكية، وهو ما نراه في السلوك السياسي الأمريكي منذ قيادة هنري كسينجر للدبلوماسية الأمريكية في المنطقة التي وظفت لخدمة الأطماع الإسرائيليَّة، واليوم ولأن مصلحة إسرائيل في تجريد العرب من أيّ قوى إستراتيجية سياسيَّة أو اقتصاديَّة أو عسكرية فإنَّ أمريكا لا مانع لديها من التعامل والتعاون حتَّى مع من يوصمها بالشيطان، طالما أن من يوصفوهم بهذا النعت هم في الحقِّيقة أعوان الشيطان في تنفيذ خططه، في المساعدة على امتلاك العراق وأفغانستان إلى التخلص من الأسلحة الكيماوية السورية والعمل على منع أيّ دولة في المنطقة من إنتاج أسلحة الدمار الشامل ليبقى الحليف الأوثق لأمريكا الوحيد المالك لهذه الأسلحة وفرض غطرسته وتسلّطه على المنطقة.