* يشكل (الحوار).. بمكوناته ومنطلقاته وأدبياته الحضارية.. لغة واعية.. وأداة من أدوات التواصل الإنساني الفكري والثقافي والاجتماعي والاقتصادي والرياضي تنقل الآراء والأفكار والمعلومات على أرضية مشتركة فعالة.. وتثبت فائدة النقاش أو الحوار الموزون كوسيلة ناجعة لحل الخلافات اللفظية والمناكفات الفكرية..وتبادل الآراء وعرض الأفكار.. دون اللجوء إلى العنف اللفظي أو الفكري.. والاختلاف في الرأي سّنة كونية وظاهرة صحية تدل على صحة وعافية الحوار وأنه يسير في الاتجاه الصحيح.
* وفي مجتمعنا الرياضي تحديداً.. يتحول الحوار وإرهاصاته إلى لغة بغيضة, وثقافة إقصائية مليئة بالضجيج الهجومي والعبارات المشحونة.. وفي معظمها نقاشات ركيكة تصادر الآراء بثقافة فرعون المهزومة.. ثقافة مناهضه قمعية تؤجج الرأي العام الرياضي.. وتذكي روح التعصب الفكري ومفردات الكراهية, فضلا عن تأثير اتجاهاتها المعادية على سلوك وفكر وثقافة النشء.
* الجزيرة استطلعت آراء الأكاديميين والخبراء والرياضيين والإعلاميين حول غياب الحوار وأدبياته عن نسيجنا الرياضي وخرجت بهذه المحصلة:
« في البداية تحدث الأستاذ منصور الخضيري وكيل الرئيس العام لرعاية الشباب لشؤون الشباب (سابقا) قائلاً: لا شك أن مبدأ الحوار ركزه أساسية للبناء المجتمعي الحقيقي, وغياب الحوار الموزون في وسطنا الرياضي تتحمله أطراف عدة منها الهيئات الحكومية ذات العلاقة والمؤسسات الإعلامية ومؤسسات المجتمع المدني, ومن باب الإنصاف فإن مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني قد قام بجهود كبيرة في تعزيز ثقافة الحوار.. مشيرا أن المركز سبق وأن تناول العديد من الندوات الثقافية والفكرية التي تنادي بتأصيل الحوار وأدبياته التي أقامها في مختلف مناطق المملكة وناقشها بشفافية متناهية, وأضاف قائلاً إن المراكز أبرمت مع رعاية الشباب اتفاقية قبل عدة سنوات لتعزيز ثقافة الحوار بين الشباب وأقيمت بعض الندوات التدريبية للحوار وحققت بعضاً من أهدافها.. متمنياً لو أقيمت ندوات للحوار الرياضي إنفاذاً لتلك الاتفاقية, وزاد قائلاًً إن المركز كان لديه الاستعداد لإقامتها لكنه ورعاية الشباب ليسا وحدهما ذوي العلاقة في غياب الحوار الرياضي الموزون..! وإنما مسؤولية أيضا المؤسسات الإعلامية, وأهاب الخضيري جميع الجهات ذات العلاقة بالمبادرة للتنسيق والتعاون لإيجاد أرضية مناسبة لحوار رياضي بناء ومسؤول يكون سبيلاًً لتعزيز قيم الحوار والتواصل والتوافق وصولاً إلى الاتفاق على منهج رئيسي يسهم في البناء والإنجاز الرياضي.. مشدداًً أن الجميع لديه الرغبة في تحقيق هذا الهدف النبيل..
*وحول تنمية ثقافة الحوار الواعي في المجتمع الرياضي قال إن من أهم أسس الحوار الواعي.. القناعة الأكيدة بأن الحوار هو هدف بحد ذاته وينطلق من ثقافة المحاور وعمق تفكيره.. وهناك أمور أخرى تنمي الوعي الحواري ومنها صدق النوايا والبعد عن العاطفة والهوى فهذه قد تكون غمامة تبعد المتحاورين عن الوصول إلى نقطة التقاء, موضحا أهمية أعداد كوادر مؤهلة تدير الحوارات أينما وجد الحوار, مبينا أن استشعار المسؤولية من الجميع هو الطريقة المثلى لحوار هادف بناء يعضد الإنجازات الوطنية ويعززها.
غياب الموضوعية
« إما الكاتب الرياضي المعروف الأستاذ تركي الناصر السديري فأوضح قائلاًً: إن الرياضة هي نتاج ثقافي مجتمعي, وبالتالي عندما تغيب الحوارية الموضوعية والبناءة لا بد أن نسأل عن دور المدرسة في تكوين ثقافة الحوار لدى المقرر والمجتمع إلى جانب مؤسسات تكوينات المجتمع المعينة بتكوين الذهنية الحوارية عند إفراد المجتمع وتنظيمها, وعندما نركز على غياب الحوار الرياضي فلا بد أن نشير إلى عدة نقاط ومنها:
1 - من لا يؤمن برسالة الرياضة الاجتماعية والثقافية والإنسانية لا يمكن أن يستوعب قيمة الحوار وامتلاك طبائعه وجعله سلوكاً ممارساًً, ومن يعتقد إدراك واستيعاب المكان برسالة رياضية ستجده عدواً للحوار ورافضاً له.. وبالتالي لا يكون رياضياًً اللهم إلا بالشكل فقط.
2 - يا أخي كيف تتوقع سيادة فضاء الحوار والمؤسسة الرياضية (رعاية الشباب) لا تريد الحوار ولا تسعى إشاعته وتبنيه خذ دليلاً..! يؤكد على ذلك.. عندما لم تستجب إلى الدعوة إلى إقامة حوار وطني رياضي.. يشرفني أنني أول من دعا إلى ذلك.. إلا أن ذلك قوبل بخنق ورفض وتجاهل!
3 - أين فضاء الحوار الرياضي كممارسة حقيقية بالنسبة للأندية والاتحادات الرياضية، الإعلام الرياضي لا يجود, وهذا يؤكد أن ثقافة الحوار من الأساس غير مؤسسة في ذهنية الفرد الذي أنتجته المدرسة وأضاف: شاشة وإذاعة إعلامية مختطفة متجاهلاً دورها الحيوي في نشر ثقافة الحوار لدى الرياضيين.. تجاهلت مثل هذه المهمة التنويرية المجتمعية.
* وعن الحلول الناجحة في بناء مجتمع رياضي يقوم على الحوار الرشيد قال: ينبغي إحلال العلمية في كامل المشهد الرياضي ومؤسساته.. معياراً وكفاءات وأهداف.. ويجب أن تنتهي حقبة العمل الارتجالي ومعيارية التشجيع والانتمائية التشجيعية في اختيار الكوادر العاملة في طول وعرض المؤسسات الرياضية وجميع التكوينات ذات العلاقة بالرياضة.. مشيرا بأنه لا بد من وضع حد لهذا العبث الذي استمر عقودا من الزمن غايته خدمة فاشلة كانت سببا في تأخر رياضة الوطن, وشدد قائلاًً: عندما يكون المعيار العلمي التخصصي حاضراًً لمن يرأس ويعمل في الجهاز المركزي الرياضي.. ساعتها ستكون المنظومة الرياضية السعودية ذات نهضة ورياضة عارمة.. رياضية تؤمن بقيمة وأهمية الحوار والمشاركة وأن المواطن أولا وأخيراً.
ثقافة الإقصاء
ويؤكد عميد كلية الأعمال بجامعة الملك عبدالعزيز وعضو شرف بنادي الاتحاد الدكتور (عبدالإله ساعاتي).. أن الحوار من أهم وأرقى أدبيات التواصل البشري في شتى مجالات الحياة وهو وسيلة حيوية للتآلف والتعايش بين شرائح المجتمع المختلفة.. مشيراًً أن الحوار ومكوناته ينتج أفكاراً جديدة متلاقحة, ومشاريع تنموية بناءة وهو عنوان يعكس حضارية المجتمع.. مشدداًً أن غياب الحوار يقود إلى الفرقة والتباغض والتباعد ونشر لغة التعصب الممقوتة والعنصرية البغيضة.
كما تجسد مفاهيم تتناقض مع المبادئ والقيم الرياضية النبيلة.. وأوضح الدكتور ساعاتي أنه ما يشاهد في بعض وسائل إعلام التقليدية.. سواء كانت مرئية أو مسموعة أو مقروءة أو في وسائل الإعلام الرقمي خلال السنوات القليلة في المجال الرياضي مما يطلق عليها حوارات إعلامية رياضية.. ليست حوارات وإنما نشر لثقافة إقصاء الآخر ورفض رأيه بصرف النظر عن قيمته والموضوعية.. والانحياز الفاضح على حساب الحقائق والمصلحة العامة, وبالتالي ربما ينتقل إلى الملتقى جماهير عادية بسيطة تتأثر بتلك الترهات والأطروحات المناهضة للقيم الأخلاقية ومن ثم الجماهير الرياضية.. مؤكداً أن ذلك مدعاة للبغضاء وربما الخروج عن سياق المبادئ الرياضية السامية.. وزاد قائلا نحن بحاجة ماسة في مجتمعاتنا الرياضية إلى تأطير الحوارات التي تنشر عبر المنابر الإعلامية المختلفة التي يتوجب عليها العمل على نشر مبادئ الحوار البناء ورفض ظواهر الإقصاء والفكر الأحادي.. مبيناًً أن الحوار وسيلة هامة تفتح آفاقا واسعة للتطور والنماء والبناء والنجاح.. وتجنب قطاعنا الرياضي الكثير من مظاهر التعثر وسلبيات الإخفاق.
الاهتمام بالعلم
*وينطلق الأستاذ عادل عصام الدين مدير عام القنوات الرياضية السعودية -سابقاًً - والكاتب الرياضي حاليا قائلا: الحوار ليس غائبا عن الوسط الرياضي فحسب ولكنه غائب عن كل الأوساط في المجتمع بشكل عام.. بيد أن الوسط الرياضي أكثر من يعاني لسببين:
أولا: غياب الوعي, ثانياًً: طبيعة اللعبة الرياضية التنافسية.. والحقيقة المؤلمة أن الجهل سيد الموقف في وسطنا الرياضي لذلك لا غرابة حين يغيب الحوار بسبب الجهل كما أشرت سلفا.. وغياب الوعي الرياضي أما النتيجة فهي غياب الحوار..!! وأضاف كيف لا يغيب الحوار الموزون في ظل الواقع المشحون الموبوء المليء بالتوتر والكراهية والعنصرية واللغة الإقصائية والتعصب الممقوت!!
« وحول تنمية ثقافة الحوار الرياضي قال: ينبغي أن نهتم بالعلم والمعرفة وتكريس مفهوم الوعي الرياضي.. مشيراً أن معظم المشاكل الرياضية تتركز في الإعلام الرياضي قبل أي طرف آخر ومن الطبيعي أن يكون واقعنا (مقرفاً)..!! لأن فاقد الشيء لا يعطيه.. ولن ينصلح الحال إلا بالرغبة الصادقة من القيادات وصنّاع القرار بتغيير الحال وتحسين مستوى الإعلام الرياضي تحديداً من خلال معايير الكفاءة المتفق عليها عالمياًً.. وشدد قائلا قبل كل شيء ينبغي أن يكون الإعلام الرياضي مثقفاً رياضياً وإعلامياً في الوقت ذاته عليها أن تتخلى عن سياسة الأنانية بتفادي بعض القيم الإخبارية الضارة والبحث عن الإثارة والمال كهدف وحيد وصولاً إلى تكريس المزيد من قله الوعي, مشيراًً بدور المدرسة ومدى اهتمامها بالرياضة علمياً وتوعوياً وغرس القيم التربوية وعلى مراكز الأحياء أن تهتم بالقيم والوعي وكذلك الأندية الرياضية وكافة المؤسسات المعنية.
إعلام تابع
أما الأستاذ محمد البكر نائب رئيس التحرير بصحيفة اليوم فقد أشار أن الحوار الرياضي شبه غائب لأن الإعلام الرياضي بات أسيراً للمدرجات وبدلاً من أن يقود الإعلام الرأي العام أصبح هو تابع ومّسير.. مبينا أن معظم من يتسيد المشهد الإعلامي الرياضي خاصة (المرئي)..!! في وقتنا الحاضر هم المتعصبين الذين تخلوا مع الأسف عن دورهم القيادي والمهني.. وأكد أن الحوار المطلوب لا يجد له مكانا في بيئة يسيطر عليها التعصب الأعمى.. مشيراًً أن الإعلام الرياضي دخل نفق المزايدات على حب النادي والنجم.. بغض النظر عن شرف المهنة.. مشدداً أن من يتحمل ذلك الوضع هم مسؤولي القنوات الرياضية والصحف الورقية ومنتديات الأندية وهم من شجع الشباب للدخول في نقاشات وجدليات غير محمودة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.. مطالبا بتشجيع الحوار في المدارس وخاصة مرحلة الابتدائية من خلال جلسات ثقافية ودية تجمع عدداً من الطلاب مع مدرسيهم بطرح كل منهم رأيه بهدوء واتزان.. مؤكداً ذلك الاتجاه الحضاري كفيلاً ببناء مستقبل حواري أفضل من مجتمعنا وهو حل على المدى البعيد.. وأما على المدى القصير فتقع المسؤولية على رؤساء تحرير الصحف والمشرفين على القنوات التلفزيونية حتى لو كانت خاصة لمنع استضافة المتعصبين الذين ينشرون التعصب والفكر الإقصائي والكراهية والشحناء.. خاصة وأن الإعلام ومكوناته يبقى شريكاً في تنمية المجتمع.
الأمانة الإعلامية
ويرى الأستاذ فهد المالك رئيس مجلس شركة ركاء وعضو الشرف بنادي الشباب والحزم.. أن الإعلام يعتبر الوسيلة الأولى الذي يعتمد عليها المتلقي بتقصي الخبر في مجتمعنا المحلي أو أبعد من ذلك خاصة بعد التطور التقني في الإعلام المرئي والمقري والثورة الهائلة في وسائل التواصل الاجتماعي سواء في تويتر أو أشقائه الفيس بوك واليوتيوب ...إلخ, والمؤسف جداًً أن بعض ممن يشرف على هذه البرامج أو وسائل الإعلام الأخرى هم المساهمون في غياب الحوار الرياضي الموزون من خلال اختيار المواضيع المطروحة للنقاش في القنوات الفضائية واختيار المشاركين فيها والتركيز على ما يخدم هذه القناة وتحقيق أكبر عدد ممكن من المشاهدين بصرف النظر عما يتسبب فيه النقاش وإرهاصاته في إذكاء التعصب وزرع بذور الكراهية والبغضاء بين الجماهير بسبب طغيان الانتماء والميول للنادي الفلاني..!! وأضاف أن التنافس الكبير بين بعض القنوات الرياضية والصحف الورقية الرياضية ساهم في غياب الحوار العقلاني في مجتمعنا الرياضي!!
وشدد المالك قائلاً: إذا كنا نبحث عن تعميق ثقافة الحوار الرياضي وأدبياته فينبغي اختيار الضيوف في البرامج الرياضية المتزنين القادرين على الإثراء بوعي بعيد عن لغة التعصب وتكريس الفكر الأحادي.. وأيضا استقطاب الأقلام الصادقة والواعية فيما يكتب في الصفحات الرياضية وكذلك تفعيل الدور الرقابي من الجهات المسؤولة بما يضمن الحد من شيوع ثقافة الإقصاء المعادية التي لا تؤمن أن الاختلاف في الرأي دليل على صحة وعافية الحوار.. مع الأهمية على نشر وبناء ثقافة الحوار من خلال المدارس والمناهج التربوية كحال أي ثقافة أخرى.
الاعتراف أولاً:
*ويشير الكاتب الرياضي المعروف الأستاذ عبدالله العجلان أن غياب الحوار الرياضي المتزن لأسباب عديدة من أهمها أن مبدأ الحوار والتحاور لم يأخذ طابع الأهمية إلا في السنوات الأخيرة, كما أن تزايد أعداد وسائل الإعلام انعكس سلباً على مستوى الحوار فأصبح الهدف البحث عن الكم لا الكيف إضافة إلى المتلقي للأسف بات يستجيب وتروق له الحوارات التصادمية المشحونة وبالتالي اتجهت هذه الوسائل وبالذات المرئية إلى البحث واستقطاب الأعلى صوتاً والأكثر شتماً.. والأسوأ من هذا كله أن هؤلاء هم من يشكل الرأي العام الرياضي وهم من يؤثر على قرارات اللجان والاتحاد الأمر الذي دفعهم إلى التشكيك والتجريح والتطاول لممارسة الإرهاب على لجان اتحاد الكرة التي تجاوبت أو على الأقل تأثرت بهذه الأجواء..!!
-وأكد العجلان أن تنمية الحوار الرياضي الواعي مرهون بالاعتراف بوجوده كمشكلة وأنه من عوامل تدهور وتأزم الإعلام الرياضي والداعم القوي لزيادة حدة التعصب سواء بين منسوبي الإعلام أو الجماهير الرياضية, مشيراً إلى أن تنمية هذا الاتجاه السلوكي من خلال المدارس والمناهج التعليمية كحال أية ثقافة أو ممارسة أخرى, مشدداً أنه ما زال يرى أن الوسائل الإعلامية سواء مطبوعات أو قنوات أو إذاعات أو حتى صحف إلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي تتحمل الجزء الأكبر من هذه الإشكالية كونها أتاحت الفرصة واستقطبت أسماء لا تقدم الوعي والتوعية والمعرفة الرياضية بقدر ما تجيد الصراخ وبث الأكاذيب والمغالطات ومحاربة الناجحين والتشكيك بإنجازات المتفوقين شخصياً.. مطالباً وضع معايير وضوابط وشروط لاختيار ضيوف البرامج وكتاب الأعمدة وحتى المعدين والمذيعين والمراسلين.. ساعتها سيكون هناك حوار رياضي واع.. حوار يبني لا يهدم.
ثقافة مهزومة..!!
*أما المدرب الوطني القدير الدكتور عبدالعزيز الخالد أوضح قائلاً: إن غياب الحوار الرياضي الموضوعي يعود لعدة أسباب؛ أهمها: التفكير في الربح المادي وجذب أكبر عدد ممكن من المتابعين وتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة, إضافة إلى ضعف الثقافة والتأهيل العلمي في المجال الرياضي تحديداً. وزاد: للأسف, ترى البعض عندما يكتب أو يحاور يتحدث وكأنه محام عن النادي الذي ينتمي له, ويتعصب له, والأغرب يتم تقديمه من قبل مقدم البرنامج بناء على انتمائه وميوله وليس بناءً على العقل المتزن والفكر الرشيد, لذلك معظم البرامج الحوارية والديوانيات النقاشية تستقطب ضيوفها حسب الميول وحسب سياسة البرامج التي تبحث عن الإثارة الفارغة, وتكريس التعصب ومفردات الكراهية والإقصاء والغوغائية. وأشار الدكتور الخالد أن واقع الحوارات الرياضية مع الأسف نقاشات ركيكة تتحول إلى سجال من الاتهامات, وحوارات عقيمة تصادر الآراء بثقافة مهزومة تؤجج الرأي العام الرياضي, واصفا علاج المشكلة من خلال النهوض بمؤسسات التنشئة الاجتماعية (الأسرة - المدرسة - الطبقة المثقفة - المؤسسات الدينية والإعلامية.. ودورها في تنوير جميع أنساق المجتمع بما فيها النسق الرياضي, مشدداً أن الرياضة عنوان للمحبة والتعرف والألفة وليس ميداناً لنشر التعصب والإقصاء والكراهية والبغضاء.
ارتجالية الأداء
*ويؤكد رئيس القسم الرياضي بصحيفة الرياض الأستاذ عايض الحربي أن غياب الحوار الرياضي المتزن بسبب بعض منتسبيه الذين يمارسون التعصب ليلاً ونهاراً ويتحدثون بلغة الإقصاء في حضورهم التلفازي والإذاعي, وفي عمودهم الصحافي يمارسون التمترس خلف أفكارهم التي تعتقد إنها هي الأصح رافضين الرأي الآخر, وبالتالي الخروج عن النص في كثير من الأحوال بل ربما تسيء إلى الآخر.
« وأوضح الحربي قائلاً: أن البرامج الرياضية الموجهة ساهمت بشكل أو بآخر في الوصول إلى هذه الوضعية.. مبيناً أن بعض من يقدم البرامج الرياضية يفتقر للكثير من المهنية أو الخلفية الرياضية وتلك الخلفية التلفزيونية لا يعرف متطلبات الوسيلة التي يعمل لها.. مشدداً أن الكثير منهم على الارتجالية في الأداء وعلى الحث عن أمور لا تهم المتلقي بل إن الهدف منها إثارة فارغة غير مبررة لا تفيد أحداً سوى إشغال الرأي العام الرياضي بمسائل فرعية وعدم التركيز على القضايا التي يجدر مناقشتها. وكشف أن الحوار الرياضي غاب بسبب غياب المؤهلين في الإعلام والمؤهلين في الرياضة.. مؤكداً أن الرياضة أصبحت بشقها الإعلامي مجالاً خصباً لمن أراد البحث عن الشهرة!!
« وعن تنمية ثقافة الحوار في الوسط الرياضي قال: ينبغي إيجاد عملية تصنيف عالية جداً وإيجاد هيئة التخصصات الإعلامية الرياضية فلا يمكن قبول من لا يحمل مؤهلاً إعلامياً أو رياضياً إلا بتجاوز اختبار محدد تضعه هيئة حيادية ومتخصصة وهذا سيّطهر المجال الرياضي من بعض الدخلاء كما أن مسؤولية أصحاب القرار في وسائل الإعلام المختلفة يمكنهم المشاركة في إيجاد بيئة لتنمية الحوار الواعي من خلال عدم الإفساح لمن لا يملك الموهبة أو المؤهل للعمل في المجتمع الرياضي الإعلامي.
تلوث سمعي..!!
*ويلتقط الدكتور عبدالقادر البابطين أستاذ الإدارة الرياضية المشارك بكلية علوم الرياضة بجامعة الملك سعود خيط الحديث قائلاً: إن سياسة بعض البرامج الرياضية الفضائية قد تشجع بعض الأشخاص على استخدام أسلوب الإثارة الرخيص المبنية على التلوث السمعي (الضجيج وإهانة الآخر)!!.. وذلك لاستقطاب جمهور أكبر على حساب القيم المهنية, وأيضاً من أسباب غياب الحوار عن المجتمع الرياضي الفهم الخاطئ لمبدأ حرية الرأي مع تجاوز كرامة الآخر وذلك برمي لاتهامات جزافاً وتقديم ركيك وسطحي وكذلك غياب العقاب الرادع.. وهنا ينبغي أن يطول القانون جميع المشاركين بالحوار في البرامج الرياضية الفضائية ولا أحد يتمتع بالحصانة.. فالقانون حقوق الآخرين وليس خنق لحرية التعبير!!
وأكد الدكتور البابطين أن بناء ثقافة حوارية رياضية راشدة مرهون بالارتقاء بجودة الحوار في الوسط الرياضي, مشيراً إلى أن ذلك يتطلب عملاً مؤسسياً من عدة جهات مختصة تساهم في بناء شخصية متزنة قادرة على التآلف والتعاون والتعايش مع الآخرين الذين يختلفون معهم في الرأي والفكر والثقافة.
ثقافة مجتمعية:
*أما الدكتور فهد العليان عضو الشرف بنادي الشباب والمشرف العام على المسؤولية الاجتماعية.. فيدلي بدلوه عن هذه القضية المجتمعية قائلاً: يدرك الجميع أهمية الحوار بشكل عام, والحوار الرياضي بشكل خاص ذلك أن الحوار فن لغوي ووسيلة تواصل يتيح التعرف على وجهات نظر الطرف والأطراف الأخرى, كما يعكس الحوار الواقع الحضاري والثقافي لأي أمة أو شعب, ومن هنا فإن على المتحاروين أن يتقيدوا بآداب الحوار والبعد عن الجدل الذي لا فائدة منه, واحترام الرأي وقبول الآخر, وزاد إذا أتينا للحديث عن الحوار الرياضي وغيابه عن بعض المعنيين بالشأن الرياضي فإننا نسمع ونرى ناقداً لا يناسب أن يكون نموذجاً للناشئة حيث تختلف الآراء ويتمادى المتحاورين ويميلون إلى مصادرة رأي الآخر ومن يلاحظ الجميع غياب الحوار الموزون في الوسط الرياضي نتيجة عدم إدراك بعض أصحاب هذا الوسط أن الحوار يجب أن يتم بطريقة حضارية يستقي منهم من يتابعهم هذه الآداب والسلوكيات, وأضاف أن مما يؤسف أن لغة الانتصار الزائفة تسيطر على سلوكيات بعض المهتمين والمنتمين للشأن الرياضي والخروج عن النص والتصرفات المخالفة للروح الرياضية التي تدعو للألفة والإخاء وترك التعصب والكراهية.. مشدداً أن الخطوة البالغة حين ينتقل داء التعصب الرياضي وغياب الحوار وإرهاصاته إلى الأطفال والناشئة فتغيب لغة الحوار في المنزل والمدرسة ويصحو التعصب في الرياضة ودهاليزها.
* وأوضح الدكتور العليان أن الأسلوب الناجح لتنمية ثقافة الحوار الواعي وبيان أهمية التحلي بالأخلاق الرياضية الجميلة وأن الفوز في الرياضة لا يسمح بالانتقاص من الآخرين.. مبيناً أن التوعية بأهمية الحوار المتوازن مطلب ضروري يقع على عاتق البيت أولاً.. ويستمر في المدرسة مع المعلمين والمعلمات مع أهمية تفعيل مذكرة تفاهم بين رعاية الشباب ومركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الموقعة في 16/صفر 1429هـ.
الحوار العقلاني:
*كما تحدث الدكتور عبدالعزيز المصطفى أستاذ التطور الرياضي والحركي بجامعة الدمام.. والرياضي السابق بنادي الهلال قائلاً: إن المحاور المتجاوبة للتحاور مصطلح أصبح حاجة إنسانية للجميع ومهارة تكتسب لا تورث لذا نجد الكثير من العاملين في المجال الإعلامي الرياضي يفتقدون أسس مقاربة بمفهوم الحوار الرياضي لأن البعض منهم يمتلك المهارة, أما الآخرون فقد ورثوها.. وهناك العديد من المتغيرات التي قد تتحكم في تنمية الحوار الرياضي المنطقي والعقلاني يتمثل في الخبرة الرياضية سواء خبرة الممارسة الإعلامية الرياضية أو الدراسة. وهم الذين يتعاملون مع مفهوم الرياضة التنافسية على أنه فوز وهزيمة أما الآخرون فينظرون إلى ملاعب المنافسات الرياضية على إنها ساحة للحرب والاقتتال لها مفرداتها ولها مقاتلوها مما انعكس ذلك على قلم وصوت الإعلامي الرياضي الموروث!!
*وأضاف الرياضي المخضرم قائلاً: خلال العقود الثلاثة الماضية ساهم العديد من المعلقين والكتاب والنقاد الرياضيين في تأجيج الرأي العام الرياضي, ونشر ثقافة التعصب الفكري للجماهير الرياضية بما فيهم بعض مسؤولي رعاية الشباب والاتحادات الرياضية من خلال النظر للرياضة إنها فوز أو مكسب فقط..!! وهذا مفهوم خطير جداً.. مشيراً إلى أن تلك الإرهاصات أفرزت عدداً من السلوكيات والمفاهيم غير المقبولة في المجتمع الرياضي وما زالت الجماهير السعودية في الغيبوبة..!! وغير قادرة على استيعاب إخفاق الكرة السعودية.
الاتصال الفعال..
*الدكتور تركي العتيبي خبير التدريب والاستشارات بمعهد الإدارة العامة بالرياض أشار إلى أن الحوار طريقة فعالة لنقل الأفكار والآراء والمعلومات ولكنه مع الأسف من ناحية الممارسة يغيب صوت العقل بين كافة الفئات ويرتفع صوت التناحر والعدائية وعدم احترام الطرف الآخر ومحاولة الانتصار للأفكار حتى لو كانت خاطئة خاصة في المجتمع الرياضي فبعض الحوارات الفضائية تميل إلى أسلوب شخصنة الأمور وعدم الاستفادة من آراء وتجارب الآخرين, ولا تتيح مساحة من التآلف والود وقبول الآخرين والتعامل معهم وفق أخلاقيات ومبادئ نادى بها الدين الحنيف, مبيناً أنه عند العودة للتأسيس يتضح أن هذا النمط من الحوارات يعد كبقية الأنماط، كالحوار الثقافي والتعليمي والاقتصادي... إلخ, لم يؤسس له شكل علمي من البداية في الأسرة والمدرسة وقد غاب الحوار الرياضي (بفعل فاعل)..!! وشدد أن القنوات الرياضية المختلفة تميل إلى انتقاء ضيوف البرامج ممن تتوفر منهم مواصفات الصراخ, والصوت العالي بحثاً عن الإثارة الرخيصة وجذب أكبر عدد من المتابعين, وأوضح أن هذه القنوات وفي برامجها التي يطلق عليها افتراضاً أنها حوارية وهي ليست كذلك..!! تختار الضيوف وكأن كلاً منهم متحدث رسمي للنادي الذي يميل إليه, وبالتالي يتم الإيحاء لهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أن كل ناد له صوت في البرنامج.. فتتحول المباريات الرياضية من الملعب إلى معارك كلامية وإقصائية وتصفية حسابات داخل استوديوهات البرامج.. مؤكداً أن الحوار الرياضي غاب بسبب أن بعض الضيوف.. وبدلاً من أن يقودوا الفكر والرأي.. أصبحوا تابعين لتوجيهات ورغبات المتابعين المشجعين لأنديتهم. مبينأ اً أن الأندية الرياضية عليها مسؤولية حيال تفعيل دورها الثقافي والاجتماعي بعقد مثل هذه الملتقيات والجلسات الحوارية والإشراف عليها لضمان تحقيق الأهداف المرسومة
الحوار النقي!!
*وينطلق الكاتب الرياضي والاجتماعي د. صالح الحمادي من زاوية أخرى قائلاً: غاب الحوار النقي النزيه لأن قنواتنا الفضائية تسوق لـ»التعصب» وتتعمد اختيار الأشخاص الذين يثيرون الضجيج وينثرون مفرداتهم ولغتهم الفجة ويعتبرون ذلك وسيلة جذب للمشاهد وهو فعلاً جذب للفرجة على حالنا وما وصلت إليه لغة التخاطب بيننا وكأننا نقول للمشاهد (اللي ما يشتري يتفرج)!!, وزاد: إذا أردنا الانتقال إلى المربع الثاني فعلينا التركيز على أسماء القائمين على البرامج الحوارية ثم التركيز على أسماء الضيوف.. ساعتها سنشاهد ونساً مع المنطق وأدب الحوار والثقافة والوعي والتحضير وما عدا ذلك سنظل في المربع الأول للفرجة والسخرية. وأوضح الحمادي أن لغة الغرور والصلف والكبرياء هي التي ترفع حدة الحوار الثنائي, كما أن داء التعصب المقيت هي أهم عوامل الجفاء والتنافر والتوتر أثناء الحوارات مشيراً أن التعصب الأعمى سكب الزيت على النار وهذا نتاج طبيعي لمن يعاني من مرض التعصب الذي ينطلق منها في حواره مع الآخر..!!
إثارة رخيصة..
*ويشدد الكاتب الرياضي المعروف الأستاذ أحمد صادق ذياب قائلاً: إن غياب الحوار في المجتمع الرياضي يعود إلى سببين رئيسيين الأول أتى من خلال التربية الدراسية, التي غيبت أسس الحوار الصحي والتعود على الجدال المفرط في رفض الآخر, وهذا ما يجعلنا نبدأ برفض أي فكرة جديدة ولا نعطيها حق النقاش العقلاني والتفكير فيها, وبالتالي تتحول معظم حواراتنا إلى نوع من التهم الإقصائية والاستعدائية للآخر, والسبب الثاني أننا نشأنا وفي أفكارنا نوع من أن الاستسلام للرأي الآخر هو نوع من الهزيمة وبالتالي تبادر إلى تحطيم الآراء التي يطرحها الآخرون وتنظر إلى جانبها السيئ بدلاً من الالتفاف حولها ومحاولة الاستفادة منها, وأضاف: غاب الحوار الرياضي الموزون لأن الجدل غلب على كل نقاشاتنا وأصبحنا أمام مهمة تعتمد بالدرجة الأولى على التشبث بالرأي ولا يمكن قبول الآخر.. ومع الأسف ساهم الإعلام الرياضي بقصد أو دون قصد في صناعة نجوم من الأكثر جدالاً وارتفاعاً في الصوت والأكثر مناكفة، وبالتالي تحول الحوار إلى نقاش بين من القادر على رفع الصوت الأعلى وتحقير الطرف الآخر وعدم التعايش معه, وعن بناء ثقافة حوارية واعية بالمجتمع الرياضي قال: دائماً ما تكون الجهات المهتمة بتربية النشء هي المسؤولة عن تنمية هذا الفكر الواعي, ومع الأسف أن هذا الجانب مهمل تماماً, فالتركيز في المناخ المدرسي على نبوغ الطالب دراسيا, وأهملنا تنمية عقول الطلاب (تربويا وقيميا) .
شحنة انفعالية!!
« يقول الكاتب الرياضي الأستاذ محمود تراوري أن التعصب عبارة عن اتجاه نفسي موجب أو سالب يجعل الشخص يقف موقفاً معارضاً أو مؤازراً لفكرة أو موضوع معين دون أن يكون ذلك.. مبنياً على دليل منطقي بحيث يكون مصحوبا بشحنة انفعالية تحول بين الفرد والسلوك العدواني, والتعصب يظهر بسبب غياب الحوار الرياضي المتزن خاصة في ظل الإعلام الرياضي سواء المقروء أو الفضائي المتأزم وجل الذين يضيقون ذرعا بسلوك التعصب والعنصرية في المجال الرياضي نادراً ما يحيلون هذه الإرهاصات إلى مرجعية اجتماعية ومنظومة ثقافية وبنية فكرية متجذرة تتعلق بالإرث الثقافي والنشأة والتربية والنفوذ على فضيلة التعدد والتنوع ونبذ الإقصاء وتضخيم الذات وكل تلك المفردات الإيجابية التي تفضي إلى أعلاء قيم قبول الآخر واحترامه وتحقيق مفهوم المواطنة حيث يأخذ كل مواطن حقوقه دون النظر إلى لونه وعرقه وهويته, والحوار من أهم أدوات التواصل الفكري والثقافي والاجتماعي التي تطلبها الحياة في المجتمع المعاصر, وأكد أن تعميق ثقافة الحوار في الوسط الرياضي تدخل فيه بكل تعقيداتها مسائل تتعلق بالتربية الأسرية ومناهج التربية والتعليم والسياق العام للشارع والمجتمع ككل.
غياب الرؤية المهنية
«وكشف الكاتب الرياضي الأستاذ محمد الدويش أن الحوارات الرياضية يفترض أن تشكل إضافة إيجابية للرياضة من خلال تناولها للقضايا والمشاكل التي تعترض مسيرة الرياضية بشكل إيجابي عن طريق طرح القضية أو المشكلة ومناقشة أسباب حدوثها بوعي واقتراح الحلول المناسبة للتغلب عليها وتجاوزها.. ولكن ما يحدث حالياً عكس ذلك تماما, وزاد قائلا إن الإعلام الرياضي بشكل عام وبرامجه المرئية بشكل خاص هي من تثير المشاكل وتسكب النار على الزيت ليزيدها اشتعالاً!! وأضاف: مما يؤسف له أن البعض يرى أن تراجع الرياضة السعودية بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص هو ما أثر سلبياً على إعلامنا الرياضي ولكن الحقيقة هي العكس حيث إن الإعلام الرياضي السلبي يأتي كأهم أسباب تراجع الرياضة, مبيناً أنه يتحول إلى معول هدم بتبنيه قضايا وأطروحات هامشية مغلفة بألوان التعصب المقيت!! وشدد قائلاً: إن غياب الحوار الرياضي الموضوعي يعود لأسباب عدة منها:
- غياب الرؤية الصحيحة أو تغيبها لدى القائمين على القنوات لما يجب أن يكون عليه الإعلام الرياضي, واعتقادهم أن ما يقدم من عبث هو إثارة مطلوبة من المشاهدين حتى لو بلغت من السماجة والسذاجة ما بلغت!!
- سوء اختيار ضيوف البرامج الحوارية فغالبهم من غير ذوي الاختصاص في مواضيع الحوار, فضلاً عن ضعف ثقافة المعدّ والمقدم.
- غياب المعد الجيد المؤهل لإعداد البرامج الحوارية وكثير من المعدين يفتقدون للمعلومة والمتابعة وكذلك غياب المذيع المؤهل والخبير القادر على دفة الحوار بوعي واتزان.
- التعصب الذي أصبح أحد أهم أسباب تراجع رياضتنا ومنافساتنا يبدأ وينتهي بالإعلام الرياضي، خاصة المرئية زادت حدة التعصب.
- ضعف الرقابة واختفاء العقوبات جعلت الكثير من الإعلاميين يتمادون في الإساءة والتجريح.
وحول الارتقاء بأسلوب وثقافة الحوار الرياضي قال: لن يعود الإعلام الرياضي كعامل بناء يسهم في الارتقاء بمستوى الوعي الرياضي والحوار الرشيد إلا من خلال:
1) حسن اختيار القائمين عن القنوات الرياضية.
2) حسن اختيار المراسلين الميدانيين.
3) حسن اختيار المتحدثين الإعلاميين بالأندية؛ فهم أحد العوامل التي تسهم في ارتقاء الحوار الرياضي.
التنشئة الاجتماعية
يؤكد الدكتور تركي العواد أستاذ الإعلام بالمعهد الدبلوماسي وحارس الهلال السابق.. أن تقبل الحوار أو رفضه ليس حكراً على الرياضة فقط, بل إن الحوار موجود في كل مناحي الحياة لذلك تقبل الحوار يعبر عن القدرة على التعايش مع الآخر, ولكن في وسطنا الرياضي كما في حياتنا نرفض الرأي الآخر ونتعامل معه بشكل شخصي متناسيين أن رأينا هو انعكاس لثقافتنا وخبرتنا وتعليمنا.. لذلك من الطبيعي أن تختلف الآراء بسبب تباين الخبرات والثقافات والتعليم, وأضاف: غاب الحوار بسبب عدم تقبل الرأي الآخر ومصادرته بشكل يدل على قلة الوعي.. مشيراً أن الرأي الذي تكوّن سواء في القضايا الرياضية أو غيرها لم يتكون خلال دقائق بل هو متراكم ونتاج عملية تفكير طويلة ومن الصعب تغييره في دقائق فقط!! وشدد أن الاختلاف في الرأي ظاهرة صحيحة ويدل على صحة وعافية الحوار وأنه يسير في الاتجاه السليم ويثري النقاش.
وأكد العواد أن تنمية الحوار الرياضي يمر بتنمية أدبياته ومكوناته عبر مؤسسات التنشئة الاجتماعية.. مبيناً دور المدرسة والأسرة والمؤسسات الدينية والإعلامية في تعميق هذا المفهوم الحضاري كونها مؤسسات مؤثرة وتلعب دوراً فعلياً في غرس القيم التربوية بشكل عام في نفوس ووجدان النشء.
تأصيل الحوار
ويشير الدكتور علي سعد الغامدي عضو الشرف بالنادي الأهلي ورئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للتربية البدنية والرياضية بجامعة أم القرى أن الوسط الرياضي ومنذ نشأته لم يكن هناك (حوار) ولم يكن هناك تنظيم للحوار ووسائله بل كان الحوار يتم داخل الملعب..!!
وأضاف مجتمعنا بكل أطيافه ومكوناته لم يعرف الحوار إلا بنشأة مركز الحوار الوطني الذي اختفى هو أيضاً من ساحة الحوار..!!
مبينا أن المجتمع الرياضي جزء من نسيج مجتمعنا ككل فإذا كان مجتمعنا إقصائي بطبعه وتكوينه وتعلمه وثقافته فكذلك هو الحال بالنسبة للمجتمع الرياضي.
وزاد: الحوار بكل أنواعه هو قيم تدرس أفعالاً تُمارس، وفكراً يتقبل، وعقلاً يعمل، فهل في مناهجنا التعليمية من مرحلة الروضة إلى ما بعد الجامعة ما يدعم ويعزز ذلك من مادة علمية أو خبرة مبدأية أو برامج تعليمية؟ للأسف لا يوجد!!
وشدد قائلا إن غياب الحوار الواعي بكل ظروفه يؤسس حتماً لانشقاقات وتصدعات في قوالب الحوار مؤكداً أن هناك إعلاماً رياضياً جاهلاً يمارس الإقصاء وإذكاء روح الفتنة بين الناس وهناك متلقون جهلة بقيمة الوطن والانضواء والارتصاص تحت علم الوطن, مطالبا ضرورة بناء ثقافة حوارية في المجتمع الرياضي تحديدا, وقيام الجهات المعنية ومنها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ورعاية الشباب بعقد الندوات العلمية والملتقيات الثقافية والمؤتمرات التي تنادي بتأصيل وتفصيل الحوار ومكوناته التربوية, خاصة وأن المجال الرياضي الأكثر استيعاباً للمناطقية والجهوية بكل أسف.
النهوض بقالب الفكر
أما الدكتور رشيد الحمد الكاتب الرياضي والموجه التربوي بوزارة التربية والتعليم فقد أوضح أن غياب الحوار الحقيقي والمنتج في الوسط الرياضي بسبب ما نشاهده في بعض وسائل الإعلام سواء المرئية أو المقروءة من حوارات هي في حقيقتها ليست حوارات وإنما نشر ثقافة الإقصاء ورفض الرأي المعارض بصرف النظر عن قيمته والمجاهرة بذلك كأنه أمر طبيعي!! مبينا أن تلك الارهاصات تدعو للبغضاء والكراهية والشحناء وربما الخروج عن قواعد الضبط المهني والأخلاقي والاجتماعي, وأضاف أن المجتمع الرياضي بحاجة إلى تأصيل الحوارات الواعية عبر المنابر الإعلامية المختلفة وتأطير قيمتها التربوية وهذا يحتاج إعادة تأسيس ثقافة رياضية حوارية قائمة على المتعة واحترام الرأي والتعايش مع الآخر.. في الوقت الذي لا يمكن تجاهل المؤسسات المعنية مثل وزارة التربية والتعليم والإعلام والتعليم العالي والجامعات وغيرها من المؤسسات ذات العلاقة, ودورها المفصلي في النهوض بقالب الفكرالتنويري.
فن الإصغاء
في حين يؤكد رئيس تحرير صحيفة وأي سبورت الأستاذ سامي اليوسف.. أن لغة الحوار هي من سمات الشعوب المتحضرة والمنهج الرباني يدعو للحوار.. ويشيع بينهم الاحترام المتبادل.. فهو يعني التعبير عن الرأي والإصغاء للآخر ويعمق الاعتدال وينبذ التطرف والإقصاء.. وأضاف المجتمع الرياضي جزءاً من نسيج مجتمعنا الكبير الذي يشكل غالبيته فئة الشباب ولكن الحوار غاب داخل دهاليزه لأربعة أسباب: تلخص في غياب دور الأضلاع المهمة البيت - المدرسة - الإعلام -والجهة المعنية بأنشطة الشباب والرياضة.. ففي البيت غاب فيه القدوة أو النموذج الإيجابي نتيجة التحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية الرهيبة التي يشهدها مجتمعنا اليوم, وفي المدرسة لم تقدم أنشطة وبرامج تعتني بتعزيز القيمة الأساسية للحوار ومكوناته بل إن صورة المعلم اهتزت فلم يعد بذلك المستحق للتبجيل حتى نعتبره قدرة!! وفي الإعلام تواصل مسلسل غياب القدوة وصارت الصحافة مرتعاً للمتعصبين وحضر كل من هب ودب في الفضائيات بلا فلترة تنطلق من أهمية التخصص والمؤهلات.. وأما الجهة المعنية بالشباب والرياضة لم تواكب توجه دعوات الحكومة بتعزيز ودعم منابر الحوار من خلال عقد الندوات وورش العمل سواء عبر الأندية أو منتديات أو الملتقيات الشبابية ولم تردع الإداريين والمشجعين الذين يخرجون عن جادة الصواب والاحترام ويثيرون الرأي العام بتعصبهم المقيت بعقوبات رادعة كما كان في السابق..!! .
إطلاق التصنيفات
*الكاتب الرياضي الأستاذ (عبدالمحسن الجحلان) يرى أن الحوار الرياضي الموزون يندرج تحت جوانب عدة لعل أبرزها المنطق وعدم الخروج عن النص وغياب اللغة الجادة التي أحياناً توزع التهم والشكوك وتقود إلى مساحة غير مقبولة في دائرة الذوق الرياضي بالتالي يكون هناك تأجيج للمشاعر وتصرفات غير مقبولة ومخالفة للروح الرياضية وآداب التعامل الرياضي.. مشيراً أن ذلك الانفلات يحدث أحيانا بسبب خطأ تحكمي غير مقصود مع ملاحظة أن أخطاء التحكيم دارجة في منافسات كرة القدم وتعد ظاهرة عالمية.. مشدداً أن المشكلة الكبرى حتما يصل الأمر للتشكيك بالذمم, وأوضح أنه في ميدان ثقافة الحوار الرياضي تتحول الأمور أحياناً إلى نقاشات ركيكة وإطلاق التصنيفات والإحكام القاطعة ويغيب الحوار الرياضي الرشيد, وأحياناً يغيب المنطق بسبب فكر متباين الكل يحاول أن يقصي الآخر بفكره ورؤيته حتى لو خرج الأمر عن أدبيات وأخلاقيات الحوار, وفي العادة من يحمل هذا الفكر هم من كانوا يجلسون في المدرجات وفجأة وجدوا أنفسهم نقاداً ويؤخذ برؤيتهم.. ساعدهم في ذلك البوابة المفتوح للجميع لينتقل إلى الأجيال الصغيرة التي تتقمص الأدوار ويؤثر بها من خلال المصطلحات التي لا علاقة لها بالرياضة الراقية والأقرب لها لغة الشوارع في كثير من الأحيان بسبب التعصب الممقوت ومفردات الكراهية.
*** ***
التوصيات
1 - تنمية مهارات الاتصال الفعال وتخصيص محاضرات توعوية,وجلسات حوارية بشكل دوري داخل المدارس والمناهج التعليمية لبناء ثقافة حوارية راشدة, وتعميق هذا المفهوم الإنساني الحضاري.
2 - قيام الرئاسة العامة لرعاية الشباب بتفعيل دورها في هذا الإطار وذلك بإقامة الندوات العلمية واللقاءات الحوارية التي من شأنها تعزيز وتعميق ثقافة الحوار الموزون.
3 - حث الأندية على النهوض بالنشاط الثقافي والاجتماعي وذلك بعقد الملتقيات الثقافية والندوات الفكرية التي تنادي بتأصيل وتأطير هذا الاتجاه المغيب في المجتمع الرياضي.
4 - قيام وزارة الثقافة والإعلام بدورها الرقابي بفاعلية ومتابعة وتقييم محتوى البرامج الرياضية الحوارية ووضع حد للتجاوزات التي تتنافى قواعد الضبط ( الأخلاقي والمهني والاجتماعي).
5 - تفعيل مذكرة التفاهم بين الرئاسة العامة لرعاية الشباب ومركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني التي وقعت في 16 صفر 1429هـ, المتضمنة العمل على تعزيز ونشر ثقافة الحوار بين فئات المجتمع الشبابي والرياضي.
6 - تنمية مفهوم الحوار الواعي في المجتمع الرياضي من خلال التوعية للوعي بالحوار وأدبه وسلوكياته.. عبر وسائل الإعلام المختلفة.. وبيان أهمية التحلي بالأخلاق الرياضية وأن الرياضة ممارسة فكرية تسمو بالأخلاق وترتقي بالقيم والشيم.