عُرفت «الصهاريج» منذ الحضارات القديمة لتوفير وتخزين المياه في ممرات السيول على هيئة أحواض كبيرة شبيهة بالآبار, واشتهرت الوجه التاريخية التابعة لمنطقة تبوك بمجموعة من هذه الصهاريج التي سميت بأسماء من قام ببنائها من سكان المحافظة آنذاك, حيث بلغت «14» صهريجا وأول صهريج مياه عرفته المحافظة وأشهرها صهريج « بدوي» تلاه عدة صهاريج أخرى مثل الغبان والشحتات وصابر والسنيور والأخير ما زال قائما حتى اليوم.
وعلقت الباحثة التاريخية في منطقة تبوك فاطمة البلوي على هذا الموضوع بأن محافظة الوجه تتميز بموقع جغرافي تتقاطع فيه مسالك القادمين من القارة الإفريقية إلى الجزيرة العربية ، مفسرة ذلك بأنه أحد أسباب الاهتمام بحفظ مياه الأمطار ، إلى جانب تكوينها السطحي الذي يقع على شبكة كبيرة من الأودية ، والحاجة الملحة للماء وحفظه بدلا من انتهائه إلى البحر.
وسردت الباحثة موجزا تاريخيا عن الصهاريج المائية في المحافظة بالقول : في عام 1871م تم بناء أول كنداسة لتحلية مياه البحر بمحافظة الوجه, وذلك لسد حاجة القرية من المياه العذبة, وبعدها بأربع سنوات تم بناء كنداسة أخرى ، وشراء عشرة آلاف قربة يوميا لملء صهريج المياه في قلعة الوجه لسد حاجة الحجاج أثناء إقامتهم بالمحافظة, وفي العام 1881م تم تخصيص ثلاث آلات لتقطير المياه لمواجهة العطش والمرض الذي أصاب حجاج ذلك العام. وأشارت إلى أن تاريخ انطلاق فكرة بناء هذه الصهاريج غير معروف، ولكن الروايات وما تناقله الناس يؤرخ بناءها قبل 100 عام مضت.
وأفادت فاطمة البلوي أن الصهاريج بنيت وفقاً لطرق هندسية متقدمة، فرضت أن يكون عرض الحفرة 5 أمتار وطولها 20 متراً وبعمق مختلف, ويوضع حجر الكلس حول جدار الحفرة من الداخل وسد المنافذ الصغيرة بالأحجار ومن ثم تمليسه بالنورة, ويتم في الداخل بناء درج بطول العمق للوصول لمنسوب الماء. وأبانت أن آلية جذب الماء برفع الجدار للأعلى بارتفاع 3 أمتار عن الأرض , ومن أسفل الجدار يعمل فتحات من جميع الجهات على مستوى الأرض ليسمح لماء سيول المطر بالدخول إلى الصهريج بسهولة , ثم يسقف بسقف مقنطر ليحفظ الماء عن الشمس من التبخر.
واستطردت بالقول : تتم عملية تنظيم وتوزيع مياه الصهريج عن طريق عامل مختص يقال له «ناظر الصهاريج».. مشيرة إلى إمكانية استئجار الصهريج بمبلغ مقطوع وبيعه بطريقة «السقّا» على البيوت ويأخذ مقابل ذلك مبلغا ماليا. ويقوم الموزعون بتفريغ المياه في البيوت وعند المساء يرجع أحدهم ليجمع النقود ليسلمها للناظر الذي يعطي لمالك الصهريج نصيبه بعدما يأخذ حقه. وأوضح مصطفى المعيطي ( 70 عاماً ) أن الأهالي قديما كانوا يعتمدون على بعض الآبار القريبة من المدينة مثل قلعة الزريب، حتى راودت بعض الأهالي فكرة الاستفادة من مياه الأمطار التي تتساقط بغزارة بأن تجمع في صهريج بدلاً من ضياعها في مياه البحر. وقال: بدأ بناء أحواض صغيرة لجمع مياه الأمطار إلى أن أشار علينا حجاج كانوا يمرون بالقرب من قريتنا ببناء صهاريج .. ربما كانت الفكرة معروفة لديهم. وأشار إلى أن الفكرة لاقت قبولا وبدئ بإنشائها في مواقع مختلفة في القرية.
من ذات الجهة أكد زارع حمزة أبو دريهم الذي عمل في السقاية أن الصهاريج هي المصدر الوحيد للمياه العذبة للأهالي، مشيرا أنها مصدر رزقه أيضا. وقال : كنت أتولى جلب المياه وتوزيعها وبيعها.