الموت هو الحقيقة المؤكدة لدى كل إنسان في هذه الحياة، ولكنه حقيقة صادمة يفجع فيها الإنسان عند تلقيه نبأ الوفاة.. وتحتاج وقتاً لاستيعابها خاصة لدى من يهمهم أمر الفقيد.
وعندما تتلقى خبر وفاة شخص عزيز عليك جداً تربطك به علاقة تزيد على خمس وسبعين سنة حتماً ستكون الفجيعة أكبر، فالحمد لله الذي كتب على عباده الفناء، واستأثر لنفسه سبحانه البقاء (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ).
ومصابي هو خبر وفاة صديق الطفولة والكبر فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الضويان الذي اختاره الله لجواره يوم الخميس الموافق 3-1-1435هـ عن عمر يناهز 81 سنة رحمه الله رحمة واسعة، وكان حالي كما قال المتنبي:
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر
فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
لقد عرفته قبل أن يكف بصره وهو في السادسة من عمره، ولقد زاملته في الدراسة بالكتاتيب عند الشيخ محمد بن إبراهيم الخربوش والشيخ محمد بن ناصر بن خالد الرشيد ثم في المدرسة السعودية حين افتتحت في محافظة الرس عام 1363هـ مما عمق علاقتنا مع مر السنين، وكان للتجانس الفكري والتوافق في كثير من الأمور دور في استمرار علاقتنا وتعمقها.
تخرج الفقيد في كلية الشريعة بالرياض ورفض العمل في القضاء تزهداً وورعاً ورغب العمل معلماً حتى أحيل إلى التقاعد.
كان حافظاً لكتاب الله منذ صغره ولذلك تم اختياره إماماً للصلاة في قصر صاحب السمو الملكي الأمير بندر بن عبدالعزيز آل سعود حينما كان طالباً في كلية الشريعة يؤمهم في صلاة التراويح في رمضان.
كان رحمه الله عميق التفكير ذا رأي سديد طويل البال ممتعا في حديثه تقياً محافظاً على الفروض والواجبات بشدة ومحافظاً على السنن والمستحبات يستمتع بسماع البرامج والأشرطة المفيدة، وكان يحب عمل الخير لوجه الله تعالى سراً، ولا يحب الإعلان ولا التظاهر بذلك.
والفقيد ممتع في حديثه يتكلم الساعات ولا تمل ولا تحس بالوقت يملك زمام الكلم يعتد برأيه مهما حاولت ثنيه أو اقناعه لثقته بنفسه وبمعلومته التي يوثقها علميا، بحيث تكتشف لاحقاً أن رأيه كان صائباً.
رجل حميمي في علاقته ودمث في تعامله رقيق الحواشي مبتسم بشوش، وصاحب نكتة محببة يجعلك تبتسم قبل اطلاقها. ومما يزيده جاذبية حركاته بيديه حين يتحدث تحس فيها تعبيرات موصلة.
لقد كان فقيداً فعلاً ولكن قضاء الله وقدره:
وهذه الدنيا لا تبقي على أحد
ولا يدوم على حال لها شان
كان حلو المعشر والتعامل بحميمية واخوة ومودة مع أبنائه وبناته يعاملهم كأصدقاء مما أكسبهم الثقة في النفس وأضفى على حياتهم بهجة وسعادة وفياً مع زوجته وكريماً لها ودوداً مع أصحابه ورفاقه حتى مع من فرقتهم ظروف الحياة وأبعدتهم، يطفي على حديثه ويحلو له الحديث عن الماضي كثيراً وعن رفاق الصبا ويتجنب كثيراً الحديث عن الآخرين بما يسيء ويتوقى بحذر أي حديث حول توافه الأمور ولذلك عاش بهدوء ودعة وسليما من الأذى محبوباً ممن حوله وممن عرفه.
وما من أحد في هذه الدنيا إلا وذاق الوداع وحزن قلبه قبل دموع عينيه ونحن عندما نودع مسافراً نعيش على أمل اللقاء مرة أخرى لكن عندما نودع غالياً تحت الثرى فإنه لا أمل لنا أن نلتقي به في هذه الدنيا الفانية ويكون الأمل مقصوراً على أن يحصل في الحياة الأخرى الباقية.
وعليك سلام الله مني تحيةً
ومن كل غيث صادق البرق والرعد
وعذراً ان عجزت أفكاري عندما أتذكر روحه الطيبة وبسماته وضحكاته ثم أتذكر زوجته وأولاده وأحبابه فجبر الله مصابهم وألهمهم الصبر والسلوان و(إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) وأتمنى أن أراه في المنام فإني والله أحبه وأشتاق إليه.
كان ميلاد الفقيد في شهر صفر عام 1354هـ رحمه الله. حقه علي وعلى أولاده وأحبابه وعلى كل مسلم الدعاء له بالمغفرة والرحمة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
رحم الله الشيخ عبدالله وغفر له وأسكنه جنات النعيم.