لا أحد يشك، في أن واشنطن أخفقت في التحرك بشكل فعال في الأزمة السورية، وفي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وأنها تتقارب مع إيران، ولم تدعم تأييد السعودية للبحرين، حين شنت المنامة حملة على حركة مناهضة للحكومة بدعم من إيران عام 2011م. بل مارست سياسة المعايير المزدوجة، الأمر الذي جعل السيناتورين البارزين ضمن الحزب الجمهوري في الكونغرس الأمريكي، «جون ماكين»، و»ليندسي غراهام»، يوجهان انتقادات حادة إلى الرئيس «باراك أوباما» -قبل أيام-، متهمين إدارته بالفشل، وتهديد موقع أمريكا في الشرق الأوسط، بعد تخليها عن دعم المعارضة السورية، وفقدانها ثقة السعودية، ودول الخليج، وإسرائيل.
يضاف إلى ذلك، ما كان مطلوبا من الرئيس الأمريكي المنتخب «باراك أوباما»، من إيجاد حلول عادلة لقضايا منطقة الشرق الأوسط، بعد الأخطاء القاتلة التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية، إلا أن الدور الأمريكي بدأ يتقلص، إن على المستوى الأدبي، أو المستوى الأخلاقي، أو حتى المادي؛ بسبب حجم الإخفاق الاقتصادي الذي تعانيه.
ومع تكرر الملفات المتعثرة، تذكرت خطاب الرئيس «باراك أوباما» في جامعة القاهرة، في يونيو 2009 م، حين أعلن عن فتح صفحة جديدة، والبداية الحقيقية مع العالمين - العربي والإسلامي -؛ لكن شيئا من هذا لم يحدث، بل أثبتت التجارب على أرض الواقع، والأحداث الجارية زيف ادعاءاته تلك؛ حين أصبحت أمريكا -اليوم- بمثابة البداية لمشروع أمريكي جديد في المنطقة، كونها تصب في خدمة المصالح الأمريكية، وذلك بعد محاولة تغيير بعض الأنظمة العربية.
يقول الكاتب محمد عبدالقادر في مقالته: «أخطاء أوباما السياسية تهدد بحرب عالمية ثالثة»، عندما جسد «أوباما»، وبعد خمس سنوات من حكمه، امتدادا لمرحلة طويلة من الفشل، تلك التي بدأها سابقه «بوش الابن»، من ثم جاء ببريق سحر كلماته المنمقة، حاملا شعار التغيير، الذي لم يتحقق حتى الآن، حيث فشل « أوباما « في تحقيق أي انجاز على المستوى الخارجي، فضلا عن الداخلي كما سبق واعترف أواخر العام الماضي. أيضا فشل في تحقيق أي تقدم على مسار العلاقات الخارجية، سواء مع الصين، أو باكستان، أو إدارة أي من الملفات الهامة، كما هي حال الملف النووي الإيراني، أو ملف الوجود العسكري في أفغانستان، كذلك فقد فشلت إدارته في الضغط على إسرائيل؛ لإيقاف الاستيطان، أو تحقيق أي انفراجة على مسار التسوية العادلة للقضية الفلسطينية، بل جاءت العودة مجدداً إلى طاولة المفاوضات وفق مخطط جديد؛ للإجهاز عليها، وذلك ضمن المشروع الأم «دولة غزة الكبرى» على أرض سيناء.
في المقابل، فقد فشل «أوباما» في استعادة أمريكا لمكانتها على الساحة الدولية، كما سبق وأن وعد ناخبيه، -بل على العكس تماما- فقد جاء ليزيد من كم الكراهية التي خلفتها سياسات بوش الابن، حيث لم يستطع استثمار نجاح الربيع العربي؛ لإعادة تقديم صورة أمريكا في الشرق الأوسط، وتعويض التراجع ما بين عامي 2001م - 2010م، بل ساهم في تعزيز قدرة روسيا على العودة إلى الساحة مجدداً، وكسر الأحادية القطبية من خلال الأزمة السورية، التي تحولت إلى ساحة للمواجهة المباشرة بين الكرملين، والبيت الأبيض لأول مرة فيما بعد نهاية الحرب الباردة، بينما نجحت إيران في فرض نفسها - أيضا - عبر الأزمة السورية كطرف رئيسي، ورقم صعب في المعادلة الإقليمية، ذلك بعد نجاحها في ملء الفراغ العربي بالعراق، من ثم زيادة نفوذها في المنطقة، ذلك على عكس ما خطط له «أوباما».
في تقديري، فإن مواقف أمريكا هذه، لا تحتاج إلى كثير من التفكير لفهمها، فعصر قوة القطب الواحد سيأفل قريبا، ونفوذها في المنطقة -حتما- سيتراجع مع قادمات الأيام. وبالتالي فإن الخيارات المتعددة بعد تغير موازين القوى أصبحت متاحة، الأمر الذي سيحفز على بناء علاقات دبلوماسية مع أطراف لها ثقل على الساحة السياسية، قائمة على شراكة حقيقية، ومصالح اقتصادية، وروابط أمنية، وتكتلات إستراتيجية واعية لقواعد السياسة مع الآخرين، بما يساعد على تحقيق الأهداف، والاستمرار، والمنافسة.