العنصرية التي تفوح روائحها في مدرجات ملاعبنا هذه الأيام من أين جاءت، ومن يغذيها ويذكيها وينفخ في نيرانها؟ هل هبطت فجأة على المدرجات ليتلقفها المراهقون عمراً وفكراً وسلوكاً ثم يطلقونها ممزوجة بالسباب والتنابز بالألقاب لتعكر صفو التنافس الشريف، وتؤذي أسماع العقلاء وتفسد الذوق العام، وترسم صورة مشوشة عن مجتمع محافظ يفترض أن يكون قريباً إلى المثالية، فكل تعاليم دينه تحثه على الابتعاد عن الكبر والغطرسة والاستعلاء على الخلق.
هذه المدرجات ليست إلا جزءاً من مجتمع كبير، وكل ما يردد فيها من عبارات عنصرية انعكاس لما يتداول في المجالس والبيوت من عبارات ترمي لتحقير الآخرين في نبرات يفوح منها الكبر والاستعلاء. الإعلام الرياضي للأسف يعد رافداً قوياً لتغذية تلك الجماهير بالمفردات الهابطة، فأغلب من يعملون في هذا المجال بحاجة لدورات مكثفة قبل أن يتصدوا لمهامهم الخطيرة في توجيه الرأي العام الرياضي.
قبل ثلاثة أيام استضافت إحدى القنوات الفضائية في برنامج رياضي اثنين من الإعلاميين الرياضيين متنافرين في الميول ومشحونين على الآخر. وبعد أن عرضت القناة تقريراً يوضح لقطات لبعض المباريات الجماهيرية وتسجيلات لتبادل مخجل لألفاظ عنصرية وسب وقذف بين الجماهير لا تقبله العقول السليمة، طلب المذيع من الضيفين التعليق على ما شاهدا شريطة أن ينطلقا من مصلحة الوطن. كنت أعتقد أنهما سيلتزمان بالإطار الذي رسمه مقدم البرنامج، وبحس وطني يرفضا تلك الصور مع المطالبة بإنزال أشد العقوبات على من شارك في تلك الهتافات المسيئة، لكن للأسف صدمت مثل غيري من المتابعين بضحالة الفكر وتدني مستوى الوعي لديهما، إذ انبرى كل واحد منهما إلى حشد كل المبررات غير العقلانية لجماهير ناديه بما يشبه تشجيعهم على ارتكاب المزيد، وفي صخب كلامي وحدة في الحوار واستخدام إشارات لا تصدر من عقلاء ذكر كل واحد الآخر بما فعلته جماهير نادية مطالباً بمعاقبتها بأثر رجعي. ساعة كاملة من الحوار ذهبت هدراً في برنامج يتابعه المئات من مختلف الأعمار. حضرت الإثارة وكأنه سكب للزيت على النار المشتعلة وغابت الحلول. ببساطة لأن الضيوف لا يحملون إلا الفكر المتعصب الضيق. مثل هذا الفكر يذكرني بطرح بعض الكتاب الرياضيين الذين أعمى عيونهم التعصب، ولأن أغلبهم لا يملكون الحجج للرد على منافسيهم يلجؤون للشخصنة فيعيرون هذا بشكله وذاك بنوعية ملابسه. ولا يتورع المتطرفون في التعصب منهم عن التوغل في أنساب وأحساب وأصول الآخرين، حتى غدا الإعلام الرياضي في بعض قنواته وصحفه مسرحاً للإثارة والشتائم بدلاً من أن يتحول إلى منارة لتوجيه الشباب ومحاربة السلوكيات الشاذة، وتأصيل مبادئ المنافسة الشريفة التي يجب أن لا تتعدى حدود الملاعب أوقات المباريات.
للقضاء على الهتافات العنصرية لا يكفي معاقبة النادي، فهذا جزء ضئيل من الحل. العقوبات يجب أن تشمل كل من يثبت تورطه في هذه الهتافات بدءاً من رؤساء الأندية وأعضائها ومنسوبيها، وكذلك الإعلام الرياضي، فالكاتب والمحرر غير المهني جزء كبير من المشكلة. وإذا لم تفرض عقوبات قاسية على مثل هذه النوعيات بالإيقاف أو الفصل النهائي فلن تستقيم الأمور. وضع كاميرات وإجهزة تسجيل دقيقة في المدرجات وبحراسة أمنية ستساعد في معرفة من يردد هذه الهتافات وبالتالي القبض عليه ومعاقبته لأنه قد يكون مندساً وليس من جماهير النادي.
أفكار لحلول عملية لتبقى منافساتنا الرياضية نظيفة خالية من أي مكدرات.
Shlash2010@hotmail.comتويتر @abdulrahman_15