عندما كنا صغاراً كنا نخاف من مسألة الذهاب للمستشفيات أو حتى المرور بجوارها، كان المستشفى بمبناه الكبير يرعبنا، وكان الوالدان يهددان أبناءهما بالمستشفى وعيادة الطبيب، وبطبيعة الحال فإن لهذه الرهبة أو الفوبيا مبرراتها وبخاصة عند صغار السن إذ إنهم ببراءتهم الطفولية يخافون من كل شيء يقع خارج محيطهم الأسري، فما بالك بالمستشفى وأشكال الأطباء والممرضين، وهم يرتدون اللباس الأبيض ويضعون سماعات الكشف على أكتافهم.
معظم الخوف يتمحور حول الإبرة ووخزها الموجع في أي موقع من الجسد، والحبوب التي يصرفها الطبيب ويلزم الطفل الصغير بابتلاعها ناهيك عن روائح المطهرات وأدوات التعقيم التي تنتشر في كل جنبات المستشفى.
يبدو أن الرهاب من المستشفيات أخذ بالتطور هذه الأيام.. لم يعد الخوف عند الصغار، بل انتقل إلى الكبار.. الخوف اليوم ليس من إبرة الطبيب ولا دوائه ولا حتى روائح المستشفيات ولباس الأطباء.. من سنوات قريبة صارت الأخطاء الطبية الفادحة سمة ملازمة للعمل في مستشفياتنا، ولو أردنا التفصيل في هذه الأخطاء فلن تتسع مساحة المقال للسرد، لكن أبرز ما يستخلص من كوارث الأخطاء الطبية أنها ربما نتجت عن أخطاء طبيعية تحدث في كثير من عمليات الحياة، لكن نتائجها في عمل الطبيب كارثية لأنها قد تؤدي إلى إزهاق أرواح بريئة، وقد يكون لنقص خبرة الطبيب دورٌ، وربما يكون للا مبالاة والتساهل والتهاون نصيبٌ كبير في حدوث معظم الأخطاء كنقل دم ملوث، أو تشخيص غير صحيح، أو وصف لعلاج بالخطأ لمريض آخر، وهكذا نجد أن أصحاب الشهادات غير الصحيحة في بعض المستشفيات بجهلهم يرتكبون أخطاء مميتة دون وجود متابعة ولا رقابة دقيقة على عمليات التعاقد معهم.
يبدو أننا في هذه الأيام سننسى خوفنا من المستشفيات بسبب وخزة إبرة أو رائحة معقمات، وقد ننسى كوارث الأخطاء الطبية فقد دخل مصطلح جديد يتم تداوله في بعض الدول تحت مسمى “سرقة الأعضاء”، وقد أثارت قصة مريض مستشفى عفيف شيئاً من الخوف أن تكون عدوى سرقة الأعضاء قد انتقلت إلى مستشفياتنا، فأحد المواطنين طالب بالتحقيق مع مسئولي المستشفى بتهمة سرقة كلية ابن أخيه قبل سنتين في نفس المستشفى، ولأن الحادثة لم تكتمل فصولها والدعوى لم تثبت بعد ولا يعرف هل الحق مع المستشفى أم مع المواطن؟.. فالواجب التريث حتى تُشكّل وزارة الصحة لجنة التحقيق لتفيدنا في النهاية بالخبر اليقين، فإن صحت دعوى المواطن فنكون بالفعل قد داهمنا رهاب جديد لنهجر المستشفيات ونبحث عن بدائل آمنة، وإن لم تثبت الدعوى فالمعنى أن نطمئن، ولكن بشيء من التوجس وأخذ الحيطة والحذر، فالصحة غالية وليس لها ثمن، والأعضاء تُباع اليوم بمئات الآلاف وأصحاب الضمائر الميتة كثيرون، وأكبر مصيبة أن يموت ضمير طبيب يداوي الناس وهو عليل!
لكن كيف نأخذ الحيطة والحذر؟.. هل يضع المريض كل عضو في قفص عند دخوله للمستشفى أو يستأجر فتوة ليرافقه ويحرسه من غدر النشالين الذين يتربصون بكليتيه وكبده وكل ما هو صالح للزراعة، أم نلجأ لعملية جرد الأعضاء عند الدخول وعند الخروج فقد ينقص عضو بفعل فاعل ووقتها لن تجدي الشكاوى ولن ينفع البكاء.
Shlash2010@hotmail.comتويتر @abdulrahman_15