كتب زميل كتابة الرأي عبدالله بن بخيت في جريدة الرياض قبل يومين مقالةً ظريفة بعنوان طقاق المطاوعة مع المثقفين. استنتج الصديق عبدالله أنه شخصياً لم يخرج بأي مكسب من الحوارات الدائرة بين المثقفين (وهو واحد منهم) والمطاوعة (وهو ليس منهم) سوى بالتسلية، إن كان في ذلك مكسب.
هذه المقالة اللطيفة الخفيفة حفزتني للكتابة عن نوع أكثر أهمية هو هواش المشايخ مع بعض.
منذ عدة شهور تتكرر المتابعات الإعلامية لخصام أو هوشة (طقاق بالتعبير المجازي لعبدالله بن بخيت) بين شيخين سعوديين يعتبران من النجوم اللامعة في ساحة الرأي الشرعي في منطقة الخليج، وربما في ما وراء البحار والرمال الخليجية. آخر ما قرأت عن تلك الهوشة يفيد بأن سماحة القاضي الذي ينظر في القضية اقترح، أو قرَّر، إحالة الموضوع لسمو أمير منطقة الرياض لإنهائه بما يرضي الشيخين.
كقارئ متابع، وبما أن هذه الهوشة أصبحت مفتوحة أمام الجمهور للمتابعة الإعلامية، تكوَّنت عندي رؤية خاصة حول الموضوع، وألخص ذلك في رؤوس أقلام.
أولاً أصل الخصومة قصيدة نشرها أحد الطرفين (نقلاً) في موقع إلكتروني، وفهمها الطرف الآخر على أن فيها انتقاصاً مبطناً ومقصوداً. وثانياً تحول التحسس البيني إلى لجاج بين الطرفين وتسرّب إلكترونياً وصحافياً إلى الخارج.
وثالثاً ارتفع سقف الخصومة فأصبح قضية تنظر فيها المحكمة الشرعية.
ورابعاً أظهرت المحكمة، أو القاضي المخول بالنظر في القضية، كمية تثير الإعجاب والتعجب من الصبر وطول البال مع الطرفين ومحاولات مضنية لإصلاح ذات البين بينهما، وحيث لم تنجح اقترح توسط سمو أمير منطقة الرياض لإنهاء الموضوع.
وخامساً أدت التسريبات الإلكترونية إلى تراشقات وتعليقات بين القراء فيها الكثير من العنجهية والتحزّب لأحد الشيخين ومناصريه ضد الطرف الآخر ومناصريه، لدرجة تصيب المحايد بالانزعاج من كمية الجهل الشرعي المركب في محتوياتها، والاهتمام بقضية ثنائية لا أهمية لها على المستوى الاجتماعي.
وسادساً غياب مستغرب لأي استعداد عند أحد الشيخين أو كلاهما لطي الصفحة وإنهاء الخلاف على خير.
انتهت رؤوس الأقلام وألحقها ببعض التساؤلات. الطقاق بين المطاوعة والمثقفين، أو بين المثقفين مع بعضهم البعض، يسهل فهمه، لاختلاف المشارب والمفاهيم والقناعات. لكن الطقاق بين المطاوعة (المشايخ) في البيئة السعودية يبدو (لي على الأقل) غير مفهوم. المشايخ عندنا حفظنا وحفظهم الله يشربون كلهم من منهل واحد، وكلهم يبشِّر في أحاديثه وخطبه وكتاباته بالتسامح وسعة الصدر والموعظة الحسنة. إذاً لماذا يستثنون أنفسهم مما يحثون الناس على الأخذ به؟
ثم ما بال المحكمة الشرعية أظهرت كل هذه السعة في الصدر وتكرار محاولات الصلح في قضية الشيخين؟ ترى لو كانت الهوشة بين شيخ ومثقف، أو بين مثقف وآخر، هل سوف تظهر المحكمة الموقرة نفس القدر من سعة الصدر ومحاولات الإصلاح لدرجة اقتراح وساطة سمو الأمير فيها؟
الأمر الآخر يمس الغبار الإلكتروني الذي أثارته خصومة الشيخين بين المتابعين وما ترتب عليه من ملاسنات ومهاترات.. ألا يشعر الشيخان بأن لهما فيه تأثيراً غير جيد من النواحي التربوية والشرعية والإعلامية؟
ثم تعليق أخير: ترى لو كانت خصومة الشيخين معزولة عن الجمهور المؤيّد والمعارض، هل كانت سوف تطول؟.. لا أعتقد. ولو كان الطقاق بين مثقفين هل كان ليثير عند الجمهور أي حماس؟.. أيضاً لا أعتقد، لأن لسان حال الجمهور السعودي يقول: عسى المثقفين كلهم بالطقاق وش علينا منهم.
إذاً هل نستطيع القول: ما أصعب فض الخصومات بين المطاوعة وما أسهله بين المثقفين؟ إن صح ذلك فله معنى كبير في درجات التسامح.
- الرياض