Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناWednesday 25/09/2013 Issue 14972 14972 الاربعاء 19 ذو القعدة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

(الأفكار العظيمة تصنع ثورة النهضة).

عندما فتح الملك عبدالعزيز الرياض عام 1319هـ كان حلمه أن يصنع دولة بالمفهوم الحضاري العصري تتميز بالاستقرار والمواطنة.

وأعتقد أن الملك عبدالعزيز لم يقع في مأزق إشكاليات المفهوم الفلسفي للدولة،بل تصوره كان مبنيا وفق عبقريته السياسية

وأولويات التأسيس و التشكل العام لخارطة هوية الدولة الجديدة.

قامت نظرية التأسيس/ التوحيد عند الملك عبدالعزيز على أولوية”دولنّة شبه الجزيرة العربية” من خلال ثلاثة مرتكزات ذات مستوى واحد ؛أي أن التوازي كان من أهم خصائص قاعدة المرتكز لتلك النظرية.

أما المرتكزات الثلاثة التي قامت عليها نظرية تأسيس/ توحيد “الدولنّة” عند الملك عبدالعزيز فهي؛”التنظيم الاجتماعي” و” التنظيم الأمني و الدفاعي” و “التنظيم المهاري”؛ أي “الفرد و الأمن و الإنتاج”.

إذن مفهوم الدولة كما يبدو من خلال نظرية التأسيس يعتمد على “التنظيم الاجتماعي” من خلال توفير مستلزمات صناعة ذلك التنظيم؛ أي الاستقرار و الوحدة و القوة السياسية.

ومن أجل تحقيق صناعة تنظيم اجتماعي يُرسّخ لقيام دولة كان أمام الملك عبدالعزيز العديد من المعطيات الواقعية التي يجب أن يستثمرها لإنتاج أفكار جديدة، ولذلك كان يتطلب من أجل تجديد ذلك الإنتاج إعادة ترتيب و صياغة تلك المعطيات. وعملية إعادة إنتاج أفكار المعطيات الواقعية يمكن توصيفها ضمن اعتبارات عدة ؛فيمكن اعتبارها قيد الإصلاح أو قيد الإحياء أو تحت نشأة التجديد.

والتوصيفات الثلاث تتناسب مع إستراتيجية “الإعادة” التي تتم في ضوئها عملية استثمار المعطيات الواقعية.

“فالواقع ليس دائما غير مفيد” أو “ليس بالضرورة لا يُفيد” “فنحن من يصنع الواقع غالبا” و “ الواقع يصنعنا أحيانا” لكن المؤكد أننا نحن من نختار أن نذهب بكامل إرادتنا إلى موقع الصانع أو موقع المصنوع.

وبذلك فإن مضمون نظرية “تأسيس الدولنة”عند الملك عبدالعزيز هو مضمون إحيائي وفق المشروع الذي اعتمده،لكن روحها و خطابها ثوريان. جامعة بين “أن الواقع ليس دائما غير مفيد” و “نحن من نصنع الواقع لا الواقع هو الذي يصنعنا”. والإحيائية عنده لا تعتمد على النموذج “المسترجع” كما عند الشيخ محمد بن عبدالوهاب؛بل تعتمد على إحياء أفكار خطاب الثورة السلفية عند الشيخ محمد بن عبدالوهاب بعد تعديلها لتتناسب مع نظرية تأسيس الدولنة،وهو بذلك التعديل يسعى إلى دولنّة الثورة السلفية الجديدة ليُصبح الدين فاعلا للنهضة لا مُعيقا لها.

إن قرار المصلحين بالثورة يعتمد على قدرة الأفكار على صناعة الثورة؛ و الفكرة الثورية تمر بثلاثة أطوار؛الطور الأولى الفكرة التأملية، والطور الثاني الفكرة النقدية و الطور الثالث الفكرة الاستكشافية؛أي أين الخطأ؟ ولماذا هو خطأ؟ وكيف نصوب الخطأ؟ إنها لوحة مفاتيح الفكرة الثورية.

عاد الملك عبدالعزيز إلى نجد يحمل نظرية “تأسيس دولة”،وتفعيل نظرية تأسيس دولة في منطقة مثل شبه الجزيرة العربية متخلفة في ذلك الوقت سياسيا و اجتماعيا و ثقافيا، كان يحتاج إلى “ثورة” فتحقيق الأفكار الجديدة والقضاء على الأفكار القديمة غالبا يحتاج إلى ثورة ،لكن الملك عبدالعزيز لم يكن انفعالي التفكير و القرار؛ لكن الثورة ظلت مطلبا ضروريا لتحقيق حلم تأسيس “دولة نهضوية هاهنا”.

“ليست الثورة دوما بالهدم” فهناك “ثورة الإصلاح” و “ثورة الإحياء” وهناك “ثورة الوعي””فالثورة البيضاء تظل أعمق وإن كانت أكثر بطئا”.

إن المراهنة على ثورة العنف للتغيير غالبا محفوفة بالمخاطر؛لأنها تؤدي إلى تقسيم المجتمع، كما أن التغيير الحاصل منها قد يُبطن بمقاومة خفية قد تتحول تلك المقاومة إلى ثورة مضادة.

ولم يكن أمام الملك عبد العزيز إلا طريق من طريقين لتنفيذ نظرية تأسيس الدولة ؛ثورة جديدة تهدر طاقته السياسية و العسكرية أو” ثورة فكرية”، واختار “الثورة الفكرية” صحيح أنها الأصعب لكنها تتسم “بالسلمية”.

و الثورة الفكرية عند الملك عبد العزيز اعتمدت على مرتكزين؛ المرتكز الأول هو “إحياء السلفية و تجديدها”؛إن الأولوية في الثورة الفكرية التي قادها الملك عبدالعزيز “لإحياء السلفية” كانت بمثابة “عقد ثقة و اطمئنان” بينه وبين سكان شبه الجزيرة العربية.

فالأفكار الغريبة و المناهج الأجنبية عادة ما تعيق أي “ثورة فكرية”، وكلما كانت الثورة الفكرية تعتمد على “ما يألفه الناس” وما “يطمئنون إليه” نجحت في اختراق “وعيهم” وأسهمت في تحقيق قابليتهم للتغير و التغيير. كان الدين و سيظل هو أساس تقبل المجتمعات الدينية لأي تغير و نهضة و تطوير،ولذلك بدأ به الملك عبدالعزيز.”وهي مسألة سأوسع القول فيها لاحقا”.

إن “إحياء السلفية” التي تقلصت عن شبه الجزيرة بعد سقوط الدولة السعودية الثانية التي قادها الشيخ محمد بن عبدالوهاب بمعية آل سعود في الدولة السعودية الأولى،كانت خطوة أساسية حتى يطمئن سكان شبه الجزيرة العربية للملك عبدالعزيز ولغاياته و يتفاعلون معه لتنفيذها.

إن تفضيل الملك عبدالعزيز “تجديد الثورة السلفية” كمعادل لتجربة إصلاحية بدلا من قيادة ثورة جديدة لا يعني أن الملك عبدالعزيز لم يكن قادرا على صناعة ثورة جديدة، لكنه فكر فقدر الأمور بطريقة لا تخلو من ذكاء استباقي فخوض ثورة جديدة سوف تعرضه إلى الاصطدام مع وعي بدو نجد وهو في أشد الحاجة لكسب ثقتهم لتحقيق مشروع التوحيد و الدولة،وكسب تلك الثقة يعني العودة إلى المشروع ذاته أي “إحياء السلفية” الذي مازال وعي بدو نجد مؤمنا بها و مؤيدا لها رغم اختفاء تأثيرها العملي بعد سقوط الدولة السعودية الثانية. لكن علينا أن نفرق بين “إحياء السلفية” التي قادها الشيخ محمد بن عبدالوهاب، و “إحياء السلفية” التي قادها الملك عبدالعزيز، وهو فارق يعود إلى طبيعة ظرفيات عصر كل منهما،وطبيعة “التوصيف” لكل منهما؛فرجل السياسة يسعى من خلال ثورته الفكرية إلى “ربط الدين بالعصرية و النهضة” و أن يدعم نتائج ثورته الفكرية بالعصرنة و التحديث ضمانا للاستمرار.

إضافة إلى تحقيق مصداقية التمثيل لتطوير الواقع، لأن نتائج التغيير يجب أن تحقق من خلال التوازن الدقيق بين المفاهيم والأشكال؛لأن تغيير المفهوم دون مصاحبة لتغيير الشكل أو تغيير الشكل دون مصاحبة لتغيير المفهوم مسألة تُوقع المجتمع في أزمة مع الأنظمة الكلية للتغيير؛ بحيث يصبح هناك اختلاف بين السلوك التحديثي و التفكير الحداثي وهو بدوره يسقطنا في مجموع من التناقضات تقود المجتمع إلى الصراع الفكري.

إن رجل السياسة يعتمد على إحياء كليات فكرية و سياسية لا تسعى إلى استنساخ تجربة منتخبة لزمن مخصوص بل تسعة إلى تكوين تجربة تتحمل تلك الكليات الفكرية،خلاف ثورة رجل الدين.

إن الثورة الفكرية لرجل السياسة تسعى إلى التوازن بين كل الخطوط بحيث تسير الإجرائية بصورة متوازية السياسي بجوار الثقافي بجوار الاقتصادي بجوار الأمني بجوار التحديث. وهذا أمر طبيعي لأن رجل السياسة يحمل مشروع دولة نهضوية و لن يتحقق هذا المشروع إلا عبر التوافق مع كل تلك الخطوط بصورة متوازية عكس ثورة رجل الدين الذي يركز على جانب واحد يبني من خلاله تجربته الثورية. ولذلك حرص الملك عبدالعزيز على إضافة “تجديد” أثناء إحيائه “للسلفية” تجديدا يضمن فيما بعد القبول الجمعي لحتمية “نهضوية الدولة”؛فنظرية “الدولنة” كونها روح الثورية الفكرية التي قادها الملك عبدالعزيز لن تحقق إلا بثلاثة أسس “الدين و الوحدة و النهضة”.

أما المرتكز الثاني للثورة الفكرية عند الملك عبد العزيز، فهو إعادة “صياغة وعي” سكان شبه الجزيرة العربية،واعتمدت إعادة “صياغة الوعي” على ثلاثة مبادئ؛”مبدأ الوحدة” و “مبدأ المواطنة” و “مبدأ النهضة”. وبذلك سنلاحظ أن الثورة الفكرية التي أسس عليها المفغور له إن شاء الله الملك عبدالعزيز نظرية “الدولنّة” أو تأسيس الدولة قامت على “الدين و الوحدة و النهضة”.

وهي ثورة تعلمنا أمرين أولهما؛أن الثورة الفكرية حتى تنجح في المجتمعات يجب ألا تصطدم بمعتقداتهم. و ثانيهما؛أن العنف لا يستطيع أن يجبر المجتمعات على قبول ثورة تتعارض مع معتقداتهم لمصلحة أي التغيير.

فعلى الناس أن يؤمنوا بثورتك حتى ينفذوها.

وقفة: كل يوم والوطن ينعم بالسلام و الخير في ظل خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبد العزيز حفظه الله.

sehama71@gmail.com
جدة

رمزية بطل الثورة الفكرية : «عبد العزيز آل سعود» -نموذجا-
سهام القحطاني

سهام القحطاني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة