|
تحتفل المملكة بيومها الوطني الثالث الثمانين الذي يصادف يوم الاثنين 17-11-1434 للهجرة، الموافق 23 سبتمبر، وهو ذكرى إعلان الملك عبدالعزيز -رحمة الله- توحيد هذه البلاد وإطلاق اسم المملكة العربية السعودية عليها يوم 19 من جمادى الأولى عام 1351هـ، بعد جهد استمر اثنين وثلاثين عاماً من الكفاح المتواصل.
إن توحيد أرجاء هذه البلاد الواسعة التي كانت تتنازعها الحروب والفتن وانعدام لأمن، في مملكة واحدة قوية، وإرساء الأمن فيها، حتى غدا المرء يسافر من أطرافها إلى أطرفها لا يخاف إلا الله تعالى، حدث لم يكن من الأحداث العادية، ليس فقط على مستوى العالم العربي، بل على مستوى العالم كافة. فهو أول تجربة وحدوية حقيقية ناجحة، حيث نقل المؤسس رحمه الله هذه البلاد من الفرقة والتخاصم بين الإمارات الصغيرة، والقبائل العديدة المتناحرة، إلى بلاد موحدة قوية برجالها وبإيمانها واعتمادها بعد الله على سواعد أبنائها. انتشالها -رحمه الله- من الفرقة إلى اللحمة، ومن الفقر إلى الغنى، ومن الفوضى الأمنية إلى الاستقرار والأمن، ومن الأمية إلى التعلم والتنمية المستدامة.
إن الاحتفاء بذكرى التوحيد ويومنا الوطني ذكرى تجعلنا نستشعر ما أفاء الله سبحانه وتعالى على هذه البلاد من فضل كبير بأن قيض لها ولاة أمر استقاموا على صراط الله المستقيم، وحكموها بما أمر الله به من عدل وتقوى، على هدي من كتاب الله وسنة رسوله، في كل شئونها، حتى غدت اليوم مثالاً يحتذي في أمنها، وأمانها، واستقرارها واعتدالها، وتنميتها الاقتصادية، وسياستها الخارجية المتزنة، خاصة عندما ننظر إلى البلدان والمجتمعات من حولنا وما تموج به من فتن واضطرابات وقلاقل وحروب، نسأل الله السلامة منها، وأن يديم على بلادنا نعمة الأمن والاستقرار.
إذا كان لنا أن نفخر نحن السعوديين في ذكرى يومنا الوطني بكل ما تحقق لبلادنا من تقدم وأزهار توالت منجزاته منذ عهد المؤسس -رحمة الله- وأبنائه البررة من بعدة: سعود وفيصل وخالد وفهد، وبلغ ذروته في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فإن أغلى ما نفتخر به في هذه البلاد أنها قامت على هدي من كتاب الله وسنة رسوله دستوراً ونظاماً وقضاءً ومنهجاً، واستمرت على هذا المنهج القويم، منارة للاعتدال والوسطية، دون إفراط أو وتفريط، في مختلف شؤونها الدينية والاجتماعية.
كما أن من الأشياء العظيمة التي تفتخر بها هذه البلاد في يومها الوطني المجيد احتضانها ورعايتها للحرمين الشريفين، وما يلقيانه من عناية كبيرة منذ عصر المؤسس حتى الآن، حيث وضع ولاة أمر هذه البلاد توسعة الحرمين الشريفين عدة مرات، والعناية بالمشاعر المقدسة، وتسهيل أمور الحجاج والمعتمرين والزوار في أولى الأولويات في كل عام، فما تكاد تنتهي مجموعة من المشروعات ألا وتبدأ أخرى، في تنمية مستمرة وتطور لا ينتهي.
إننا حين نستعيد ذكرى التوحيد في هذا العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لننظر بفخر إلى واقع يفيض بالمبادرات التنموية والإصلاحية الشجاعة، التي شملت التعليم، والقضاء، والاقتصاد، والحوار الوطني، والحوار مع الحضارات الأخرى، ومشروعات التنمية الواسعة التي شملت جميع مناطق المملكة، ومحاربة الفساد الإداري والمالي، والعناية بالمجتمع ومحاربة البطالة.
إن أهمية الاحتفاء بيومنا الوطني أنها مناسبة لاستذكار عظمة هذا الإنجاز، إنجاز التوحيد تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وإنجاز التنمية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي والإنساني الذي تحقق لهذه البلاد. وهو أنجاز يذكر بمسؤولية جميع شرائح المجتمع، ويحفزها للمحافظة على مكتسبات هذا الوطن بأن يستشعر كل فرد من أفراده مسؤولياته في الحفاظ على هذا الوطن شامخاً أمانناً مستقراً. ولن يأتي ذلك إلا عندما يستشعر كل فرد من أبنائه بأنه شريك في هذا الوطن، فكما أن له حقوقاً فعليه واجبات، منها أن ينظر إلى الوطن الكبير نظرته إلى منزله ووطنه الصغير، وينظر إلى شعب المملكة بعامة نظرته إلى أسرته الصغيرة، وينظر إلى الممتلكات العامة نفس نظرته إلى ممتلكاته الخاصة.
إن الاحتفاء بذكرى يومنا الوطني ذكرى تذكر شبابنا وتربطهم بماضيهم، وما بذله أجدادهم من جهد متواصل منذ عهد المؤسس -رحمه الله- لبناء هذا الوطن، وهي ذكرى تحملنا مسؤولية الحفاظ على ما بناه أجدادنا، فنحن مهما اختلفنا في أقاليمنا وقبائلنا ولهجاتنا وأفكارنا فإن هناك رابطاً قوياً يجمع شتاتنا، هو هذا البناء القوي الذي بناه المؤسس رحمه الله على دعائم قوية من هدي كتاب الله وسنة رسوله، فانصهرت أقاليمه وقبائله وفئاته الاجتماعية في مجتمع متكاتف متحاب يسعى بقوة لنقل هذا البلاد بما يتوفر لديها من إمكانات اقتصادية وتعليمية وإدارية إلى مصاف الدول المتقدمة.
وفي الختام أتقدم إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وسمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء الأمير سلمان بن عبدالعزيز، وسمو النائب الثاني الأمير مقرن بن عبدالعزيز، وسمو أمير منطقة الرياض وسمو نائبه -حفظهم الله-، وإلى الشعب السعودي الأبي، بخالص التهاني والتبريكات بمناسبة يومنا الوطني المجيد، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين ونائبيه من كل مكروه، وأن يمد في أعمارهم على طاعة الله، وأن يديم على هذه البلاد أمنها وأمانها واستقرارها ورغد عيشها، إنه سميع مجيب.
- وكيل خدمة المجتمع وتقنية المعلومات